بورصتنا للشركات العائلية.. والباقي هجين


03/03/2007 كتب محمد الإتربي:
مع كل مرحلة تظهر افرازات جديدة في ظل التطورات والمتغيرات التي يشهدها ويمر فيها الاقتصاد الحديث عاما بعد آخر، وتظهر هذه الافرازات كليا او جزئيا في سوق الكويت للاوراق المالية. كنتاج طبيعي وفعلي للتفاعلات الاقتصادية، ولمتغيرات السوق ولسيادة الاقتصاد الحر ان تتبدل الكثير من المفاهيم والنظريات وان تظهر وتطفو على السطح كيانات وتكتلات وتندثر اخرى.
كأن تتحول شركات ومؤسسات صغرى وعائلية محدودة لكيانات كبرى مساهمة.
وكأن تبقى اخرى في موقف المواربة تترقب تجارب الآخرين السباقين وتتطلع لأن تحذو حذو التجربة نفسها مع امكان الفشل مثل عمليات التحول من شركة عائلية لشركة مساهمة مع بقائها اسيرة للمفاهيم السابقة نفسها، ولعقلية المالك الاوحد والمدير الفرد.
وكأن التغير الذي حدث او طرأ هو اجرائي اي تبديل المسمى والترخيص فقط لا اكثر.
استمرارية الخلط بين الملكية والادارة لا يزال سائدا في كثير من الكيانات المدرجة في بورصة الكويت.
في المقابل، برزت نماذج محترفة تحتذى، حيث المالك لا يدير فقط ويجني الثمار والنجاح، ولعل هناك الكثير من الشركات التي تعمل بفكر محترف من جانب ملاكها، حيث تدعم بالمال والنفوذ وتأتي بالادارة المحترفة والمسلحة بالعلم والفكر الحديث الذي يتماشى مع اقتصادات العالم المتطورة التي باتت 'تدهس' كل ضعيف.
ثمة انحرافات ومشاكل وعقبات واسباب اخرى يشترك فيها المساهم والمستثمر وراء الافرازات السلبية التي تشهدها بعض الشركات والمجموعات التي هي مساهمة ويكاد يملك فيها المساهمون اكثر من الملاك ولكن بلا جدوى او تأثير يذكر بسبب ثقافة المضاربة والسعي الدائم للربح السريع بلا هدف واساس استثماري.
'القبس' رصدت ظاهرة جديدة نمت في السوق الكويتي وهي المرحلة الثانية من تحول الشركات العائلية المساهمة ثم تحولها لعائلية مرة اخرى، اي شركات عائلية بقناع مساهمة بأموال المساهمين الاقليات والافراد.
فالشركات المدرجة في السوق معظمها مجموعات عائلية اشبه بالمملكة الخارجية رغم ان بعض تلك الكيانات تضم آلاف المساهمين، وفي بعض الا حيان تفوق ملكيات العائلات حقوق الافراد والاقليات لعل إرساء معايير الحوكمة وعمليات التطوير والخدمات والتحديث المطلوبة للتشريعات، والوعي الذي يجب أن يتحلى به المستثمرون باتت أمورا ملحة ومطلوبة، ليس لمصلحة أحد ضد أحد بقدر ما هي نقل لتجربة اقتصادية حديثة تملك جميع مقومات النجاح وتحتاج إلى قدر بسيط من التنظيم والترتيب والأسس السليمة تستمر في النمو.
يرى مراقبون ماليون ان في السوق ثلاثة نماذج في ملكية وإدارة الشركات.
النموذج الأول
موجة تحويل الشركات المساهمة إلى شركات ومجموعات عائلية وهو أحدث أشكال البيزنس الحديث في السوق الكويتي حيث يلاحظ ان أغلبية السوق تم تقسيمه إلى مجموعات على رأسها قيادات الصف الأول، والصف الثاني من أصحاب النفوذ أو الكلمة في الشركة ولتلك العملية أشكال وأهداف.
ان بعض المجموعات تحكمها أطراف ليست لها ملكية مطلقة في جميع الشركات، بمعنى ان الشركات الرئيسية الخاضعة للنفوذ تملك ملكيات متناثرة في عدد تابع من الشركات الأخرى، ومن هنا تطلق الأيدي في إدارتها إدارة مطلقة.
تبدأ العملية بخطوات التنصيب للمناصب العليا والقيادية في الشركات.
في هذا النموذج تدار الشركة من أطراف وأناس لا يمكلون ملكية مباشرة بل تم تنصيبهم وأغلبية تلك الشركات بعيدة عن التطوير والإبداع واعتمادها الرئيسي هو إيراد السوق والمضاربة والمتاجرة بالأسهم.
من أحد الأهداف السامية لهذه الظاهرة، هو تكوين مجموعات تابعة وزميلة بقيادات لها ولاء مطلق، لخدمة الكيان الأم في عمليات النقل من وإلى الشراء والبيع، والحصول على تحويلات وخطوط ائتمان بدائرة أوسع.
- تفتقد تلك الشركات الادارات المحترفة لأن الفكر المسيطر عليها هو فكر واحد صاحب هدف واحد، وهذا يتنافى مع الادارة الحديثة المحترفة التي تسعى الى التطوير والانجاز عبر الوحدات المستقلة.
- هناك وجاهة اجتماعية برئاسة الشركة هذه وتلك حتى لو كانت نشاطاتها وتخصصاتها مختلفة تماما عن اهتمامات او دراسة او فكر المسؤول الذي تم تنصيبه حتى تجد متخصصا في الهندسة الكيميائية، مسؤولا في مؤسسات مالية تقليدية واسلامية استثمارية او مصرفية.
- بعض تلك المؤسسات تقتل المبدعين واصحاب الكفاءات، فكم من مسؤول وقيادي هرب وهجر موقعه بفعل تضارب الافكار بين فكر مطور وحديث يسعى الى الابداع والانجاز، وآخر جاء لينفذ تعليمات وافكارا مرسومة ومحددة مسبقا.
- بعض الشركات الناجحة تراجعت وتقهقرت لأسباب تتعلق بعمليات تنصيب قيادات ذات خبرة قليلة.
- لم يتبدل في ذلك النموذج سوى الترخيص القانوني للشركة، حيث ان تحولها من عائلية او ذات مسؤولية محدودة الى مساهمة، فالنتيجة واحدة وهي الادارة المطلقة تبقى بلا مناقشة او منافسة.
من يتحمل المخاطر؟
الفارق بين الشركة العائلية بمفهومها الحقيقي، والشركات المساهمة التي تحولت الى عائلية ان اي مخاطر بالنسبة للأولى يتحملها اصحاب الحلال الحقيقيون، اصحاب الملكية الخاصة المطلقة لهم. اما الشركات المساهمة العائلية فيملكها مئات المساهمين والمستثمرين وبالتالي المخاطر لا يتحملها فرد او عائلة بعينها، بل عشرات الافراد والعائلات.
- في معادلة الشركات المساهمة المحولة إلى عائلية، المستثمر او المساهم هو الخاسر دائما، فالقائمون على رأس الادارة مستمرون خسروا ام ربحوا بمميزاتهم ومكافآتهم وحوافزهم، اما المتضررون المباشرون فهم الافراد المساهمون وهم الفئة المتغيرة.
أسباب المشكلة
يذكر مسؤولون ماليون متخصصون في جهات رقابية ان جزءا من تنامي تلك المشكلة هم المستثمرون انفسهم للأسباب التالية:
-1 ان المستثمرين الافراد يملكون مجتمعين ملكيات تفوق ملكيات حكام ومديري الشركات المساهمة المدرجة، ولكنهم لا يبالون، بدراسة اوضاع الشركة.
ولا يسألون وهم غائبون دائما عن الجمعيات العمومية، ولا يعرفون ادنى وأبسط حقوقهم التي قد تذهب ادراج الرياح.
80% من حضور الجمعيات العمومية هم من موظفي الشركة والاصدقاء فإذا غابت المحاسبة والمساءلة، فلا يجدي البكاء على اللبن المسكوب.
فمع كل الأزمات والتطورات والخسائر التي مرت فيها شركات، لم تشهد جمعية عمومية واحدة تجمعا او تكتلا لمستثمرين يواجه الادارة بوقفة ولعلها قد تكون مفيدة تعيد الشركة الى الوضع الصحيح.
ثقافة مضمحلة
2 - يقول مسؤول احدى الشركات من النماذج المساهمة بقناع عائلي ان ثقافة المستثمر هي من يجعل الادارة تهتم به أو لا، موضحا ان الغالبية المطلقة تعتمد على قاعدة الربح السريع الدخول والخروج في فترات قصيرة، وبالتالي يوميا واسبوعيا تتغير الملكيات والوجوه الخاصة بالمساهمين وهذا جزء من ترسيخ مفهوم ان الشركة مساهمة لكنها عائلية.
يلاحظ حتى في مسألة التوزيعات تحفظات على توزيعات قليلة قد لا تناسب سعر السهم السوقي، في المقابل من يفوزون باللذات هم الملاك 'الحاكمون' طويلو الاجل.
وقالتها ادارات كثيرة: لا يعنيني المستثمر الذي يشتري السهم اليوم ليتخلص منه بعد غد.
وجزء من المشكلة ايضا عدم اتقان قاعدة كبيرة من المستثمرين للمفاهيم والمعايير المحاسبية الحديثة، والتي تتخفي وراءها الكثير من ادارات الشركات بتصنيفاتها وتبويبها الذي يخدم اهدافها.
النموذج الثاني
مقابل النموذج السابق هناك مجموعات عائلية في السوق تملك لكن تدار شركاتها بأعلى معايير الاحترافية.
فالشركة مساهمة قولا وفعلا، او ان ملاكها لا يديرون تاركين ذلك لمديرين محترفين.
ولعل تلك المجموعات هي الانجح في السوق الكويتي على الاطلاق، وتدار بأسلوب الادارة الحديثة ومعايير اقتصاد السوق وتعتبر النموذج الأمثل والقدوة والانجح للأسباب التالية:
ملاك هذا النموذج فطنوا الى اهمية وضرورة فصل الملكية عن الإدارة، فجلبوا الكفاءات والكوادر واطلقوا لها السلطات والحريات للعمل والتطوير، فما كان الا ان تعاظمت ثرواتهم وامتدت ملكياتهم شرقا وغربا.
بعض الملاك لا يمثلون في مجالس إدارات شركاتهم حتى ان بعضا من تلك الشركات قد لا يعلم مستثمرون من هم ملاكها الحقيقيون من فرط اطلاق الصلاحيات للمديرين التنفيذيين والكفاءات.
غالبا ما يكون الملاك مصدرا للدعم المادي والتشجيع على الدخول الى مشروع ما أو فرصة اقليمية أو عالمية.
يؤمنون بالعمل ثم الحساب، بمعنى تفويض القيادي الناجح صلاحيات، وحاسبه آخر العام عن الانجازات وما تحقق من نتائج.
عدد قليل من الشركات أو المجموعات (12% من السوق) فقط هي من تطبق المفهوم الحديث لفصل الملكية عن الإدارة وهم فقط من جنوا وحققوا أفضل الارباح واقتنصوا أفضل الفرص ويمكن ان يطلق عليهم شركات عالمية، اي ما نسبته 3.3% من حجم السوق البالغ 180 شركة.
يتبع الملاك في هذا النموذج اطلاق الصلاحيات والتحفيز المستمر للقيادات الناجحة، حتى ان المدير يصبح مالكا (أسهم ولاء) فيتحول من مجرد موظف الى مدير لأمواله، وهنا انت يا صاحب الحلال اصبحت في مأمن بدرجة كبيرة فلم يعد المال أو الشركة بقيادة من تم تنصيبهم، بل ارتبط مصير المدير بنمو الشركة.
الناجحون سيقلدون
ويقول مراقب ان وجود نماذج ناجحة وبارزة لهذا الأسلوب يشكل معيارا يحتذى في السوق، قائلا انه سيقود الى عملية تحول في افكار كثيرين وجدوا انفسهم في آخر الطابور، بفعل قرارات وتدخلات، كان لها آثار سلبية في مسيرة المؤسسة أو الكيان.
النموذج الثالث
بين الاول والثاني في السوق نموذج ثالث من الشركات المساهمة المدرجة، فلا هي مجموعات مساهمة عائلية، ولا هي مساهمة تدار من محترفين ومسؤولين مرموقين، وتملكها عائلات ومجموعات ايضا، بل شركات مساهمة كانت مملوكة وأصبحت 'لقيطة' حاليا.
وتلك الشركات هي:
من لا مالك واضحا وصريحا لها، بل هي تحت امرة الادارة القائمة عليها.
شركات لا هوية واضحة لها، طالما لا مالك رئيسيا فيها، يسأل ويحاسب.
عشرات من تلك الشركات لا تملك مشروعا ولا خطة وهي بلا هدف بل تعيش على السوق وعلى تقديم خدمات لشركات كبرى اما بشراء اصل وإعادة بيعه والحصول على عمولة او الحصول على تمويل وقرض لمصلحة شركة اخرى وتضيفه وتبويبه كمحفظة ونقله لجهة اخرى كمديونية وكذلك بعمولة وهكذا.
شركات وصل اليها المسؤولون والمديرون بتوكيلات وتجميع الملكيات في الجمعية العمومية، فهم لا يملكون ولا يتمتعون وتفتقر لمقومات الادارة الحديثة التي ترتقي بالشركة وتعظم موجوداتها.
ويذكر مراقب ان تلك النوعية من الشركات بدأت تنتبه اليها بعض المجموعات الكبرى في السوق الكويتي وتضمها اليها ككيان تابع او زميل.
النموذج الرابع
في السوق شركات عائلية لكنها مساهمة ناجحة لأن ملاكها من العائلات التي تمرست في العمل التجاري منذ عقود طويلة وهي تعرف المخاطر وكيفية ادارتها وتنويعها ابا عن جد.
وهذه العائلات تتملك في عدد من الشركات المساهمة وهي تسعى دائما للحفاظ عل سمعتها التاريخية ولاتعبث بأموال المساهمين الآخرين لمجرد انها المالك الاكبر، وما زالت هذه الشركات تحظى باهتمام البنوك التي تمنحها القروض والستهيلات، كما تحظى باهتمام صغار المستثمرين الراغبين في شراء اسهمها نظرا لسمعة ملاكها.
كما ان هذه الشركات تنمو وتتطور احيانا ببطء وأحيانا اخرى بوتيرة جيدة، لكن وبكل الاحوال عليها ان تتحول الى مساهمة لبنك كامل ومشاركة الاقليات في ادارة الحلال بشكل من الاشكال.

مميزات الشركات التي فصلت فيها الإدارة عن الملكية
1
نمو متواصل للأرباح والأصول وتحقيق التوسعات المدروسة.
2
بناء مؤسسة على أسس صحيحة تملك مقومات الاستمرارية.
3
يحصل كل ذي حق على حقه: المالك الكبير كما المساهم والمستثمر الصغير.
4
تعمل المؤسسة أو الشركة بخدماتها وإمكاناتها وليس بأسماء ملاكها وحسب.
5
تعتبر محل اهتمام دائم ومستمر من الصناديق والمحافظ، وأصحاب التوجهات الاستثمارية.
6
تحظى باهتمام واسع من البنوك و كبريات المؤسسات الرائدة للدخول معها في شراكات أو تحالفات.

مساوئ الشركات المساهمة التي بقيت عائلية

1
استغلال اموال المساهمين.
2
خلط المصالح العائلية والشخصية مع مصالح المستثمرين.
3
استغلال واضح لاموال الغير في تحقيق مآرب ومصالح شخصية.
4
امكان تدمير مؤسسة مساهمة مدرجة واضرار بسمعة سوق الاوراق المالية.
5
التعامل مع الاخرين على اساس اسم العائلة او المجموعة التي تهيمن على الشركة وليس اسم المؤسسة.
6
يتجنبها المستثمرون سواء المحافظ والصناديق او طويل الاجل لافتقادها الاسلوب الامثل والصحيح الذي يطمئنهم الى ان اموالهم في المكان المناسب.

مساوئ الشركات اللقيطة التي تستخدم مطية

1
شركات ومؤسسات تشكل عبئا على السوق.
2
تؤثر في اتجاهات المؤشر حالها حال الشركات الكبرى.
3
تضر بالبورصة اكثر مما تفيدها كنسبة وتناسب مع الشركات الرائدة والقيادية.
4
تورط كثير من المستثمرين الصغار وتبدو اموالهم، حيث تستهويهم برخص اسعارها وهي تفتقر للاداء الحقيقي والعائد الموضوعي المناسب حتى لاسعارها المتدنية.
5
غالبية الممارسات والاعمال غير المهنية تمر من خلالها فلا سمعة تملكها لتحافظ عليها ولا غيرها.
6
لا تملك اصولا ولا مشاريع ولا ادارة حكيمة وهي في الغالب رمز للخسارة اذا تراجع السوق او تأثر.