أخي بارك الله فيك و رزقك --
اسمح لي أن أسدل الستار عن بعض الغرائب والعجائب التي تحلى بها بعض المساهمين في سوقنا ، وهؤلاء من نعرفهم ويعيشون بين أظهرنا -
وقد تجنبت من خلال ما ستقرأ ، بعض المواقف والغرائب الصحيحة ، لأنها تمثل الصور المثالية أو الشاذة وتكون بعيدة عن الواقعية –
وتوضيحي لذلك ليس من باب المعاتبة ، وليس من باب التوبيخ والاستشفاء ، فيكفي أن بعض المساهمين مرهق بأزمة الانهيار ، لكن ارجوا أن لا يكون ذلك مانعا في توضيح وتبيين العبر—
وأي حدث يمر به المسلم ، ينبغي أن يقوده للاتعاظ والإعتبار ، واقتناص فرائد الفوائد من مكنوناته وأسراره --
وحسبي من ذلك الإصلاح ، وإضاءة الدروب وإنارة العقول وتبصير البصائر --
وكم نعمة مقرونة ببلية على الناس تخفى والبلايا مواهب
أُخي /
كان اغلب الناس في فترة مضت لا يعرفون سوق الأسهم ، ولا يفهمون تحليلاته وأسراره وأغواره ، وقد كان أهل الخير الذين يقومون بحلق التحفيظ والمؤسسات الخيرية يعلنون لبعض الناس أبواب الصدقات والمساهمة في دروب الخير، فتجد ردود الفعل من بعضهم (( اتقوا الله فينا ، ليس معنا إلا ما يكفينا من قوت يومنا ، وعلينا التزامات لا تساعدنا في الاستجابة لمطالبكم ))-
وعندما حصل الانهيار، وفاحت رائحة الدمار، وحصحص المال السليم من الضار ، حصلت الاعترافات من هؤلاء ، فخرج ذلك الذي انزعج من فتح أبواب الخير لديه ويقول بأن خسارته أكثر من عشرة ملايين ريال، وكان ذلك جميع ما يملك ،
والأدهى والأطم أن بعض هؤلاء ، هم من الذين اعترفوا بعدم زكاة أموالهم في السنين الماضية --
وهذا مانطق به احد المتمسكنين منهم ، ( يقول كان لي 800 ألف ريال ، وكلما أردت الزكاة كان ذلك صعبا على نفسي ، والآن ليس في محفظتي سوى 74 ألف ريال ثم ينهي كلامه بقوله ( هذه عقوبة من الله عز وجل ) --
وهذا أحدهم ، وهو فوق السبعين من عمره يقول ( حسبنا الله على فلان الفلاني ) قلنا له لماذا ؟ قال أعطيته 50000 ريال من أجل أن يشغلها في محفظته ، فهرب بها ولم يعطني أي ريال من الأرباح ، ثم يقول متحسرا ( والله أنني جمعت هذه الخمسين ألف ريال -- ريالا – ريالا-- حتى الزكاة لم أخرجها منها طوال السنين الماضية -
وعنما رُويت قصة هذا الشيخ الكبير على أحد المعلمين الذين لهم ثلاثين عاما في حقل التعليم -- قال : حتى أنا مثل صاحبكم لا أخرج الزكاة -
قال الله تعالى --
يمحق الله الربا ويربي الصدقات -
و يروى أن امرأة كانت توصي زوجها عندما يخرج للعمل وطلب الرزق فتقول له "يا هذا اتق الله فينا : إنا لنصبر على الجوع ولا نصبر على النار" .
فلا بارك الله في مال يجلب الشقاء يوم يقوم الأشهاد -
ومن العجائب الأخرى --
أنك تجد في الفترة الماضية من تشبع بطفرة السوق ، حتى زاد رأس ماله ، وتحسنت أحواله ، فصِنفٌ أظهروا نعمت الله عليهم بالشكر والتواضع ، والبذل والإنفاق ، وآخرين بدأ منهم من يترفع عن مخالطة أقرانهم ، ومخالطة الناس ، لأنه يرى بأنه من قائمة ما يسمى (( بالهوامير )) ، فأظهر الكبر ، وتفاخر وتباهى ببيعه وشرائه وأرباحه ، من أجل أن يسهم في رفع مكانته في مجتمعه ،،
وما إن ظهر الانهيار،إلا وتجد رأس من هذا ديدنه يطرق ويعود إلى حاله القديم ، أو أسوأ من ذلك ، معترفا بمشهده الصامت (( أن التواضع هو حلية المؤمنين )) -
يقول الأحنف بن قيس ---
عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر -
فيا مظهر الكِبرِ إعجاباً بصورته *** انظر خلاءك إن النتن تثريب
لوفكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
وصدق عمر بن الخطاب عندما قال –
ما وجد أحدٌ في نفسه كبراً إلا من مهانة يجدها في نفسه -
وقد قال سيد المتواضعين صلوات ربي وسلامه عليه ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر )-
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " [ رواه البخاري ] وهذا أمر ثابت عند الله تعالى أن لا يرتفع شيء من أمور الدنيا إلا وضعه الله وحطّه وطرحه ، وذلك لماذا ؟! لهوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة فيها، وحتى يتعلم الناس أن الدنيا لا تدوم .
ومن العجائب أيضا --
أن أناس عظموا البخل والطمع في نفوسهم ، فالأرصدة ممتلئة بالنقود ، والمحفظة مخزونة بالأسهم ، لكنهم أحجموا عن الإنفاق بالمعروف على زوجاتهم وأولادهم ، وقطعوا الوصال عن أرحامهم ، ونسوا العلاقة مع الفقراء والأيتام ، وأقتروا على أنفسهم حتى أن حال سيارة وملبس ومنزل كل واحد منهم أشبه بحال من لا يجد قوت يومه ، وبين عشية وضحاها ينهار السوق ، وتحصل الخسائر ، فيكون أول الشاكرين لله على ذلك ، الزوجة والأولاد ، بسب سيطرة البخل والإقتار من والدهم -
قال تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا )
وذي حرص ٍ تراه يلُمُّ وفرا *** لوارثه يدفع عن حماهُ
ك... الصيد يمسك وهو طاوٍ *** فريسته ليأكله سواهُ
وقد قيل في المثل / بشر مال البخيل بحادثٍ أو وارث--
ومن العجائب أيضا --
أولئك الذين ساد الطمع عليهم ، حينما رأوا بريق الأرباح يكثر في السهم الحرام ، فأصبحوا لا يملكون الشعور بحلال أو حرمة الشركة ، حتى اختلط الحابل بالنابل ، وحصلت الخسائر مع اكتساب الكبائر --
جمع الحرام إلى الحلال لكُثرهِ **** جاء الحرام على الحلال فبعثره
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)) رواه البخاري -
يقول الله تعالى ( يمحق الله الربا ) -
والمتأمل في واقع بعض المساهمين بعد انهيار السوق ، يجد بأن أولئك الذين يتحرون الحلال ، هم أكثر الناس ثباتا واحتسابا ، لأنهم مؤمنين بقضاء الله وقدره
فحالهم كما قيل -
أحزم الناس عاقلا **** لمس الجرح فابتسم
ونجد بأن آخرين يفيقون من رقدتهم ، ويلومون أنفسهم بأنهم ارتكبوا كبيرة الوقوع في الربا ، ثم بعد ذلك نُسفت ومحقت ، فلا هم سلموا من الخسائر ولا الوقوع في الربا --
قال الرسول صلى الله عليه وسلم / لعن الله آكل الربا )
يتبع . . . .