حذار الوقوع في فخ حب أي سهم

غرام وانتقام في تجارة الاسهم


12/09/2006 إعداد وتعريب: محمود عبدالرزاق
فيليب كوغان، محررمتخصص في شؤون الاستثمار لدى صحيفة فايننشال تايمز اللندنية منذ ما يزيد على 20 عاما. وكانت آراؤه في الكثير من المسائل والقضايا المتعلقة بالاستثمار محل اعجاب الكثيرين في السوق المالي وعلى الساحة الاستثمارية في المملكة المتحدة، حيث بدأ عمله في هذا المجال في عام 1986.
ووجد كوغان انه بعد هذه السنوات العشرين الماضية، يحسن به ان يكتب بعض الملاحظات عن خبراته في عالم الصحافة الاقتصادية لدى صحيفة عريقة مثل فايننشال تايمز.
وبعد ان استعرض الظروف الاقتصادية التي كانت سائدة عندما التحق بالعمل محررا مبتدئا لدى الصحيفة المذكورة، قال ان القوة التي عادت إلى السوق الاميركي بعد الاثنين الاسود عام 1987 كانت تعزى الى تقليص معدلات التضخم، ومن ثم كان هناك تراجع ملحوظ في عائدات السندات والاسهم، الامر الذي حول اهتمام المستثمرين الى العقار.
ويقول كوغان ان استراتيجية شراء الاوراق المالية والاحتفاظ بها ليست مسلكا مضمونا لتحقيق النجاح، كما نصح المستثمرين بالا يقعوا في حب اي نوع من الاصول الاستثمارية، لان هذا الاخير، ببساطة لن يقع في حب المستثمر. ويضيف انه عندما يفكر المستثمرون ان اي نوع من الاصول يعتبر آمنا، فانهم بذلك يرفعون سعره الى مستوى لا تستطيع حواسهم بلوغه.
وفيما يلي نص المقال :
ان مدة عشرين سنة تعتبر خبرة طويلة نسبيا في الكتابة مع اي صحيفة، لا سيما في مجال الاستثمار، لذا ارجو ان يغفر لي القراء انغماسي في الكتابة في هذا العمود النهائي في الصحيفة والذي يرتد ما ينشر فيه على كاتبه في معظم الاحيان.
لقد شهد السوق تغيرا كبيرا منذ الثاني من يونيو عام 1986 عندما انضممت الى فريق العمل في صحيفة الفايننشال تايمز. ففي تلك الايام كانت اسعار الفائدة الاساسية في بريطانيا 10 %، في حين كانت سندات الخزانة الاميركية البالغة مدتها عشر سنوات تدر عائدا يصل الى 8.35%، وذلك في الوقت الذي كان فيه سعر برميل النفط 12.5 دولارا. وكان المستثمرون ما زالوا في المراحل الاولى فيما عرف بعدئذ بظاهرة السوق المتجه الى الصعود Bull Market ، بالرغم من المخاطر التي تمثلت في يوم الاثنين الاسود في اكتوبر من عام 1987، عندما تهاوى السوق الاميركي وفقد 22 % من قيمته في يوم واحد.
تراجع معدلات التضخم
وكان الفضل في جانب كبير من الزخم الذي دفع بالسوق الى الصعود يعود الى التراجع الذي شهدته معدلات التضخم عن مستوياتها العالية التي بلغتها خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي. وبالرغم من ان بريطانيا عانت من الذعر من تضخم اخر في اواخر الثمانينات، فإن التوجه كان يشير الى انحدار شديد من تلك النقطة.
وقد ادى ذلك الى تراجع ملحوظ في العائدات الاسمية لكل من السندات والاسهم، ونجم عنه مكاسب رأسمالية عالية للمستثمرين.
ونتيجة لذلك توصل المستثمرون الى استنتاج بانه لم يكن معقولا فحسب ان يتبنوا استراتيجية شراء الاوراق المالية والاحتفاظ بها Buy and Hold Strategy ، بل ان يشتروا في حالة اي هبوط في السوق.
وفي كل مرة كانت الاسواق تبدو مقبلة على اي مشاكل، كما حدث في عامي 1998 و2001، كان يمكن ان تتصدى البنوك المركزية للانقاذ، وذلك من خلال تخفيض اسعار الفائدة بشكل كبير، وكانت بيئة التضخم ومعدلاته الهادئة تتيح للبنوك مثل هذا التدخل.
ليست سلكوكا مضمونا
على ان التاريخ يظهر ايضا ان استراتيجية الشراء والاحتفاظ بالاوراق المالية ليست مسلكا مضمونا لتحقيق النجاح. فلو عدنا الى يونيو عام 1986، لرأينا ان مؤشر نيكاي 225 الياباني في طوكيو كان متداولا عند مستوى 16739 نقطة، وهو مستوى ما زال متخلفا عن بلوغه بعد مضي اكثر من 20 سنة.
ولما كنت في ذلك الوقت محررا مبتدئا قليل الخبرة، فقد بذلت جهدا جبارا لسبر اغوار التقييمات المفرطة للغاية لاسعار الاوراق المالية اليابانية اواخر الثمانينات، ولكني لم اجد من يعطيني التبرير الشافي باستثناء ما قدمه لي الخبراء المحنكون من ان مقاييس التقييمات التقليدية للاوراق المالية لا تنطبق على السوق الياباني. وقد استخدم التبرير نفسه عند الحديث عن فقاعة اسهم شركات التكنولوجيا اواخر تسعينات القرن الماضي.
وفي كلتا الحالتين، فان التقييمات العالية كانت بمثابة النذير الذي يدق ناقوس الخطر بانهيار شديد في اسعار الاسهم، غير ان وقوعه استغرق بعض الوقت، حيث ان اي ارتفاع في اسعار الاصول يبدو انه يجتذب المبتدئين الراغبين في ان يتحولوا الى مستثمرين محترفين (وذلك على عكس السوق بالنسبة لاي مستثمر او مشتر للاسهم يبدو راغبا في شراء المزيد من الاسهم عندما ترتفع الاسعار).
حذار من التقييمات العالية
ومن هنا فان من الدروس المستقاة من السنوات العشرين الماضية هو ان الايام ستثبت ان اولئك الذين يقللون من شان التقييمات العالية للاسهم قد كانوا على صواب على المدى البعيد، غير انهم قد يواجهون مواقف غير سارة في المدى القصير.
وقبل عشرين عاما، كان المستثمرون الخاصون يمثلون جزءا آخذا في التناقص من سوق الاسهم، حيث كانت معدلات الضرائب المرتفعة خلال الستينات والسبعينات تدفع كثيرا من الناس للابتعاد عن اسواق الاسهم والانخراط في تجارة المساكن.
اما اولئك المستثمرون الذين كانوا لا يزالون منغمسين في السوق، فانهم يميلون الى التوجه نحو الاسهم الممتازة، وهي التي كانت ملاذا امنا للاستثمار وفقا لاستراتيجية الشراء والاحتفاظ بالاوراق المالية لعدة عقود، او كان الاعتقاد سائدا انهم يخططون لمثل هذ التوجه. والواقع ان ثمة 28 شركة فقط كانت وما زالت تتداول منذ الثامن والعشرين من يونيو 1986 حتى اليوم ضمن مكونات مؤشر فايننشال تايمز 100 وتحت الاسماء نفسها التي كانت عليها من قبل. ومع ان هناك 10 شركات اخرى ما زالت معروفة ولكنها تتداول على صورة مندمجة مثل لويدز تي اس بي. اما شركات مثل بريتيش اليكتريك تراكشن وجاكوار فقد زالت منذ مدة طويلة.
مجموعات ظلت صامدة
ومن المثير ان المجموعات التي ظلت قادرة على الصمود طيلة السنوات العشرين الماضية تمثلت في البنوك وفي شركات مثل بي بي، وريو تنتو، وهي معنية بالمصادر الطبيعية. اما الشركات التي كان لها طنين كبير منذ 20 عاما، مثل شركة بريتيش اند كومونويلث، وشركة بورتون، فقد اختفت عن الساحة.
ومن هنا، فاذا كنت تعتزم شراء الاوراق المالية والاحتفاظ بها، فانه من الضروري بالنسبة لك ان تختار الاسهم ذات الاداء القوي والمؤسسة جيدا، والتي ليست ثمة احتمالات ان تتعرض للاكتساح بموجة اخرى من فقاعات التكنولوجيا. وقد كانت محفظة وارن بوفيت الملياردير المعروف مثالا كلاسيكيا على ذلك.
وخلال فترة التسعينات، وفي غمرة الانسياق وراء " الاقتصاد الجديد "، كان من السهل ان نتناسى اننا ما زلنا معتمدين على النفط والغاز والمعادن الاخرى مثل النحاس من اجل ابقاء اقتصادنا متحركا. وكانت ثمة حاجة لاستثمارات جديدة لاكتشاف وتطوير تلك المصادر، وذلك لعدة اسباب ربما يكون من اهمها ان المكاسب الرأسمالية التي حققها النفط فاقت كثيرا ما كان متوقعا على مؤشري ستاندارد اند بورز 500 وفايننشال تايمز 100 خلال السنوات العشرين الماضية.
الحماس للاقتصاد الجديد
ومن المثير للسخرية ان الحماس للاقتصاد الجديد اثار شهية المستثمرين الخاصين من جديد نحو الاسهم في العديد من الشركات المهمة. ولكن واحسرتاه! فقد استوعب هؤلاء كل الدروس الخاطئة، واعتقدوا ان بامكانهم التعامل في اتجاهين في يوم واحد للوصول الى النجاح.
وبالرغم من ان التقييمات كانت مرتفعة (ما يوحي بان العوائد المستقبلية قد تكون متدنية)، فان كثيرا من الناس اعتقدوا ان ارباحهم السنوية من الاسهم قد تتراوح بين 20 و30 % او ربما بين 50 و60 %.
وتظهر الدراسات ان اكثر المديرين نجاحا يميلون الى امتلاك المحافظ ذات معدلات الدوران الاقل، حيث ان التداول يرقى الى مرتبة الضريبة على المستثمرين.
اما السؤال الذي يتطلب براعة في الاجابة فهو موجه لكل المستثمرين وهو كيفية اجراء الموازنة بين الرغبة في الشراء والاحتفاظ بالاوراق المالية في هذا المناخ الاقتصادي سريع التغير (وحيث يمكن نسف اساسات العمل من جذوره في لمحة)، وبين الحاجة الى تجنب عمليات التحريك والتغيير المفرطة في المحفظة الاستثمارية.
ان الخسائر التي تجشمها بعض المستثمرين في الفترة بين عامي 2000 و2002 عندما كان السوق في الاتجاه النزولي، عملت على تحول كثير من المستثمرين الخاصين عن التعامل بالاوراق المالية، واوجدت لديهم القناعة من جديد ان العقارات كانت هي الملاذ الامن الوحيد.

لا أصول آمنة

عندما يفكر المستثمرون ان اي نوع من الاصول 'يعتبر امنا' وان قيمته لن تهبط، فانهم بذلك يرفعون سعره الى مستوى لا تستطيع بديهتهم او حواسهم ان تصل اليه. وقد حدث هذا بالفعل مطلع العام الحالي حتى بالنسبة للاوراق المالية الممتازة المرتبطة بالمؤشرات. وستثبت العقارات انها ليست مختلفة، وهو ما بدأ اصحاب البيوت الاميركيون اكتشافه الان. حذار من الوقوع في الحب مع اي نوع من الاصول الاستثمارية، فانه بالتأكيد لن يقع في الحب معك!