خبراء يطالبون بتنظيم المهنة ويشــددون على الالتزام بالقوانين
«لوبيات» التأجير من الباطن.. ترفع الأسـعار وتخلط أوراق سوق العقارات
http://www.alarab.com.qa/details.php...=1052&secId=26

2011-01-26
الدوحة - العرب - عمر عبد اللطيف
تعرض علي العجلان المري مدير مجموعة العجلان العقارية، لخسائر عديدة نتيجة التأجير بالباطن، الذي قال إنه لم يكن موجودا منذ عدة سنوات، لكن دخول بعض الآسيويين والعرب على سوق العقارات أوجد هذه «الظاهرة» كما يشرح في حديث لـ «العرب».

الخسارة الناجمة عن ضرر تأجير الوحدات السكنية الصغيرة من الباطن، أكبر من ضرر «المجمعات والفلل»، حسب المري، فمثلا استأجر شخص ما «فيلا»، ثم قسمها من الداخل إلى عدة ملاحق، وأجر كل قسم على حدة، ثم إن هذا المستأجر لم يدفع سوى التأمين للمالك الأساسي، متجاهلا دفع فواتير الكهرباء والماء، فتراكمت الفواتير، وهي حق للدولة أيضا، منوها إلى أن أحدهم وصلت فواتيره إلى 25 ألف ريال، لكنه لم يدفعها، وعندما انكشف أمره غادر البلاد، «عدا عن تخريب الفيلا وتكسيرها، مع أنها حديثة البناء وعمرها 3 سنوات».
ومن يؤجر بالباطن، لا يهمه أكان المستأجر عازبا أم لا، فيكثر سكن العزاب بين العوائل، و{بعضهم يجلس في حوش الفيلا، ويدخن الشيشة لابسا «الشورت والفانيلا»، مع أن الجيران كلهم من العوائل» كما يقول المري.
وتكمن خطورة التأجير من الباطن في التأجير الشخصي، فهو المشكلة، حسب المري، لأنه حينما يواجه الشخص الذي أجر بالباطن المشاكل الناجمة عن هذه العملية، يسافر ويترك خلفه كافة المشاكل، كأحد الأشخاص الذي استأجر مجمعا سكنيا وأجره بالباطن بـ 500 ألف ريال كل ستة أشهر، رغم أنه استأجره بـ 720 ألف لستة أشهر، لكنه قبض الـ 500 ألف واستأجر بها وحدات سكنية أخرى، ثم حزم أمتعته وغادر البلاد، «مع أن أحد الأشخاص دفع له إيجار سنة كاملة، لكن حقه ضاع، وضاع حق المالك أيضا، ماذا نفعل، هل نشتكي عليه؟».
أما استئجار المجمعات الكبيرة وتأجيرها من الباطن، فيكون مثلا باستئجار أحدهم مجموعة من «الفلل» بـ 5 إلى 7 آلاف ريال «للفيلا» الواحدة، ويؤجرها بالباطن بشكل شخصي لمعارفه بنحو 10 إلى 13 ألف ريال.
هذه الظاهرة التي برزت في الآونة الأخيرة، «لم نر منها أية فائدة لمصلحة البلد إطلاقا»، يؤكد المري، قائلا إن الوحدة السكنية التي تؤجر بـ 4 آلاف ريال، تؤجر بالباطن بـ 6 آلاف ريال، ما يؤدي إلى رفع الإيجارات، «وكأنه نظام احتكار، حيث يحتكر من يؤجر بالباطن منطقة كاملة ويشتغل فيها».

القانون والتأجير بالباطن

وتنص المادة 14 من قانون الإيجارات الصادر عام 2008، على أنه لا يجوز للمستأجر التأجير من الباطن، ولا التنازل عن الإيجار كله أو بعضه للغير، إلا بإذن كتابي من المؤجر.
كما نصت المادة 19 على أنه يحق للمؤجر، ولو قبل انتهاء عقد الإيجار أن يطلب من لجنة فض المنازعات الإيجارية في الجهة المختصة إخلاء العين المؤجرة في حال أجر المستأجر العين المؤجرة من الباطن، أو تنازل عنها، أو تركها للغير بأي وجه من الوجوه، بغير إذن كتابي من المؤجر.

ارتفاع الإيجارات بسبب «الباطن»

ورغم أن القانون يمنع التأجير من الباطن إلا بموافقة المؤجر، يوجد العديد من الأشخاص الذين يخالفون هذا القانون، ويؤجرون من الباطن بدون علم المالك أو المؤجر، كما يفعل بعض الآسيويين والعرب، حسب قول محمد الذي تحفظ على كامل اسمه في حديثه لـ «العرب»، مشيرا إلى أنه اتصل ذات مرة مع أحد هؤلاء الأشخاص، بعد أن حصل على رقمه من إعلان منشور على موقع «qatarliving»، سائلا عن غرفة للإيجار، لكنه تفاجأ بإحداهن وهي ترد عليه: «ما هي جنسيتك أولا لأننا لا نؤجر سوى من نفس الجنسية».
بيد أن ما فاجأ محمدا أكثر، هو سعر الغرفة أو «الاستديو»، حيث يصل إيجار الغرفة إلى 1500 ريال لمدة أسبوعين، فيما يصل إيجار غرفة وصالة اقتطعت من «فيلا» إلى 3500 ريال، «بفرش متواضع ومطبخ صغير يطل على غرفة النوم مباشرة».
يتصل محمد بأرقام أخرى مدونة على الموقع ذاته، والجميع، لا يؤجر سوى من جنسيته، والجميع ليس المالك أصلا، بل هو مستأجر بالأساس، لكنه استأجر شقة بـ 8 آلاف مثلا، وقسمها إلى ملاحق، ليؤجر كل ملحق بسعر قد يصل إلى 2500 للغرفة الواحدة كحد أدنى.

التأجير من الباطن نوعان:
بموافقة المالك أو بدونها

عملية الإيجار بالباطن «مضرة جدا» بقطاع العقارات، أولا لأنها تضر بملاك العقارات، وثانيا لأنها تضر بالمستأجر وبالدولة أيضا، كما يؤكد العديد من الخبراء العقاريين، ومن ضمنهم علي إسحق حسين آل إسحق مدير مكتب الحق للعقارات وأقدم الخبراء العقاريين في قطر، الذي ينوه إلى أن التأجير من الباطن نوعان: الأول بدون علم المالك وهنا من السهولة فسخ العقد، والثاني يكون بموافقة المالك وهذه هي «الطامة الكبرى والخطأ الكبير» حسب تعبير آل إسحق.
ويتساءل عن السبب الذي يدفع المالك للموافقة على التأجير من الباطن، لأن الذي سيؤجر من الباطن ستكون أرباحه مضاعفة، حيث يستأجر السكن بـ 10 آلاف مثلا ويؤجره بـ 20 ألفا.
وينصح آل إسحق المُلاك بالتأكد من الشركة التي يتعاملون معها، بحيث يكون لها سمعة طبية، قبل أن يقدموا على تأجير عقاراتهم، كي لا تقوم هذه الشركة بالتأجير من الباطن بدون علمه، إضافة إلى ضرورة أن يحصل المالك على ضمانات بنكية، وأن يكون الدفع سنويا، خاصة أن بعض الشركات دخلت على قطاع العقارات من خلال النصب والاحتيال، وخلقت الكثير من المشاكل للعديد من التجار، لأن هذه الشركات تستأجر وتؤجر من الباطن بفرش أو بدون فرش، وقد تبيع الفرش كذلك، كما أن المواطنين خسروا عقاراتهم الجديدة، «سوء تخطيط وتدبير عملية
التأجير من الباطن أدت إلى هذه المشاكل».
لذا يؤكد مرة أخرى أهمية حصول المالك على ضمانات أكبر من القيمة الإيجارية وضمان للفرش أيضا، فإن لم يكن شيكا مدفوع الثمن يكون ضمانا بنكيا يقدمه المستأجر، ففي حال تعثر الدفع يصرف الشيك.
وفي حال قيام المستأجر بالتأجير من الباطن، يحق للمالك هنا أن يرفع قضية عليه ويفسخ العقد مباشرة، أما في حال موافقته على التأجير من الباطن فيكون الضرر أكبر، لأنه يوافق في العقد الموقع بينهما على حق المستأجر في التأجير من الباطن، لذا فهو يتحمل المسؤولية عن ذلك، حسب تعبير آل إسحق.

أكثر من رفع الإيجارات

كما أن أهم مخاطر التأجير من الباطن تقع في المناطق الصناعية، كما يشرح سالم العاوي صاحب شركة العاوي للعقارات والاستثمارات، الذي يوضح أن المؤجر من الباطن يطلب أسعارا خيالية من المستأجر، فمثلا إذا بلغ إيجار السكن 30 ألف ريال، المستأجر من الباطن لا يهمه ويطلب 60 ألف، هنا الشركات تقول لا، وتلجأ للأحياء السكنية بـ 15 أو 20 ألفا، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاعات خيالية في العقارات الصناعية بسبب التأجير والتأجير الباطن.
لكن العاوي لا يرى مانعا من أن يقوم بعض الأفراد بالتأجير بالباطن في الأحياء السكنية، ولكن شريطة أن يلتزموا بالقوانين الجديدة، كالتي تمنع تأجير العزاب والعمال في الأحياء السكنية، وكذلك في حال استأجر أحدهم عقارا من المالك، يجب أن يكتب في العقد بينهما، بند ينص على منع تأجير الشركات والعزاب، لأن المستأجر قد يؤجر العقار من الباطن، فيكون هذا شرطا لمنعه من تأجير العزاب والعمال.
أما التأجير الفردي للأشخاص فهو يؤثر على المستأجرين لأن «التي تزاحمك شركات، لديك بيتان قريبان من بعضهما البعض، الشركة تستأجرهما بـ 20 ألفا بدلا من تأجيره بـ 8 لأحد الأفراد، والشخص يفضل تأجيره بـ 20 ألفا طبعا، وهنا يتضرر المواطن والمقيم» حسب العاوي.

الشركات نفسها تؤجر بالباطن

ويوضح الخبير العقاري سالم العاوي أن التأجير بالباطن يجب أن يكون محددا، وأن لا يكون مطلقا لجميع الفئات والشركات، بمعنى آخر يجب أن تكون منطقة الصناعية مثلا خالية من ظاهرة التأجير من الباطن نهائيا، لكن ما يحصل الآن، هو أن بعض الشركات الصناعية تستأجر في الأحياء السكنية بسبب ادعاءاتها القائمة بأن السكن في الصناعية غير موجود.
لكن هذه الادعاءات غير صحيحة، كما يؤكد العاوي، الذي اتضح له أن بعض الشركات في الصناعية تؤجر من الباطن أيضا، وهذا خلق أزمة للشركات والعمال، وجعلهم يسكنون في الأحياء السكنية، والشركات نفسها تؤجر بالباطن، فالشركات تجهز مبنى في الصناعية لسكن العمال بكراج ومخزن وكافة التجهيزات، لكنها تؤجره لشركة ثانية أو لأشخاص بالباطن وهم يؤجرن بدورهم بالباطن.
ويوضح العاوي أن هذه العملية، تدفع الشركات إلى اللجوء للأحياء السكنية لأنها أرخص، والواجب أن تتخذ وزارة الشؤون البلدية إجراءات عاجلة لحل هذه الأزمة، وصدور قرار عنها يقضي بمنع التأجير من الباطن في الصناعية بشكل نهائي، ومن يخالف هذا الأمر تفرض عليه غرامات معينة.
إلا أن الخبير العقاري والمثمن المعتمد فيصل مشعل بن خصيب الدوسري له رأي مختلف، عندما يرى أنه لا يوجد هناك تأثير مباشر يذكر من عملية التأجير من الباطن على القطاع العقاري في الدولة، موضحا أن عملية التأجير من الباطن أو ما تسمى بإعادة التأجير هي «جزء لا يتجزأ من عملية التأجير، وتأتي في إطار مكمل لعملية تأجير العقار».
ويؤكد الدوسري عدم لجوء جميع شركات العقارات إلى هذا الأسلوب، وخاصة الشركات الكبيرة التي تتمتع بمكاتب وموظفين وشركات خدمات مرافقة، تعمل على إدارة المشاريع السكنية والمكتبية، مشيرا إلى أن هناك الكثير من ملاك العقار الذين يفضلون إدارة مشاريعهم بأنفسهم للحفاظ على نوعية العقار، والتحكم في عدد المستأجرين وصفاتهم.
لكن الدوسري يشير إلى وجود بعض الأفراد والشركات الحديثة والأجنبية العاملة في المجال العقاري، والتي تعمل على استغلال الثغرات في القوانين من أجل تحقيق مكاسب شخصية على حساب سمعة المهنة، من خلال اجتهادات شخصية في تحديد الأسعار،
الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على «موضوعية المهنة»، داعيا إلى مزيد من الضوابط والقوانين التي تعمل على ردع مثل هؤلاء الأفراد.

منع التأجير بالباطن
أو حصره بالشركات المحلية

ما الحل إذن؟ وما الضوابط والحلول التي يمكن اتخاذها لتحجيم هذه الظاهرة أو منعها؟ يجيب علي العجلان المري بأنه يفضل أن تتدخل الدولة لمنع ظاهرة التأجير من الباطن، منوها إلى أنه إذا لم ترغب الدولة في منعه، على الأقل عليها أن تضع ضوابط معنية، فمثلا لا يجوز أن يكون الإيجار من الباطن شخصيا، بل أن يقتصر على المقيمين في قطر منذ عشر سنوات على الأقل، ثانيا أن يكون التأجير عن طريق الشركات المحلية داخل البلد، لأنه «لا يعقل أن يسافر أو يهرب المدير المسؤول وتسافر معه الشركة».
لكن المري لا يمانع أن يستفيد البعض من التأجير بالباطن، خاصة أن بعض الشركات استفادت منه، وادخرت مبالغ وصلت إلى 5 ملايين ريال من خلال مشاريع التأجير من الباطن، «التأجير بالباطن فيه ربح»، ولا مانع أن تستفيد منه الشركات، خاصة أنه من الصعب تأجير بعض المجمعات التي تحوي 50 فيلا دفعة واحدة، فيكون الإيجار من الباطن الحل الأسهل، «رغم أنني شخصيا لو كان لدي 20 فيلا فقط، لوظفت شخصا براتب ومكتب في مدخل المجمع، ليكون مسؤولا عن تأجيرها».

خبراء يطالبون بتنظيم المهنة

بينما يطالب سالم العاوي الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة البلدية والتخطيط العمراني، والجهات التي تمنح الأراضي في الصناعية ثم تتركها لأشخاص يتاجرون بها للإيجار، أن تتخذ أشد الإجراءات ضد التأجير والتأجير من الباطن في المناطق الصناعية والأحياء السكنية.
ورغم أنه لا يوجد نص يمنع تأجير من الباطن، يتمنى العاوي من البلدية، أن تصدر نصا يمنع التأجير نهائيا سواء بالباطن أو غيره، خاصة للذين تعطيهم البلدية أراضي لبنائها سكنا للعمال أو للصناعات، لأن «البعض يأخذ العقار، وإذا لم تكن لديه صناعة معينة، يبيعه أو يؤجره لشخص آخر».
كما يؤكد فيصل الدوسري أن سوق العقارات بدولة قطر سوق حرة تضبطها القوانين، منوها إلى وجود بعض التجاوزات التي تسبب فوضى وتؤثر بشكل سلبي على أهم القطاعات الاقتصادية المهمة.
ويدعو الدوسري إلى سن قانون أو تحديث القانون الموجود أصلا لتنظيم العلاقة بين كل أطراف هذه العملية، لأن «مثل هذا القانون من شأنه أن يحد من النزاعات، ويعمل على تنظيم العلاقة بين كل الأطراف».

على أصحاب العقارات إدارة أملاكهم بأنفسهم

علي إسحق حسين آل إسحق مدير مكتب الحق للعقارات ينصح الملاك بالالتزام بالقانون، والبحث عن الأسعار المناسبة والشركات المناسبة والمتخصصين قبل تأجير عقاراتهم، «لماذا يؤجر أحد الملاك عقاره بـ 50 ألف ريال، ثم يأتي غيره ويؤجره بـ 100 ألف، يجب البحث عن المكاتب المتخصصة ذات السمعة الطيبة»، مشيرا إلى أنه لا يسمح في مكتبه بالتأجير من الباطن، «مكتبنا يرفض كل ما يخالف القانون، وإذا تضمن العقد فقرة تسمح بالتأجير من الباطن لا نوافق على العقد، لا نضع نفسنا في مشاكل قانونية»، كما أنه لا يمكن توقيع أي عقد آخر إلا بضمانات بنكية، والشخص يجب أن يكون معروفا والشركة معروفة، وبوجود كفيل آخر غير البنك يضمن الشخص في حال إخلاله بالعقد. كما ينصح الخبير العقاري صالح العثماني الملاك وأصحاب العقارات أن يديروا أملاكهم بأنفسهم بدلا من تأجيرها من الباطن عن طريق الآخرين، «ضع إدارة براتب ويدير العمارة ويؤجرها»، مؤكدا أن التأجير من الباطن يرفع إيجار العقارات في السوق، ويؤدي إلى التضخم، «لسنا مع التأجير بالباطن، رغم أنه مسموح ومتعارف عليه عرفا، لكن المفروض أن يكون للملاك رؤية
وأن يتساءلوا عن فائدة التأجير من الباطن».