بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سكان القمم
إن سكان القمم أناس مثلنا، قريبون منّا، يعيشون على هذه الأرض بأجسامهم لكن هممهم وعزائمهم تحلق في السماء,سكان القمم لا يرضون لأنفسهم من كل شيء إلا أحسنه، ومن كل أمر إلاّ أتمه وأجمله، وقد قيل قديماً ,قدر الرجل على قدر همته، فمن كان عالي الهمة كان عالي القدر، ومن كان وضيع الهمة كان وضيع القدر, ولا يقعد بك العجز عن المكرمات، وتأمّل سير السابقين فإنها للهدى منارات, وابذل في تحصيلها كل غال ورخيص،فإياك، ثم إياك أن تخرج منها خاسراً قبل أن تبني لك بيتاً في الجنة,سكان القمم أبعد ما يكونون عن زخارف هذه الدنيا وبهرجها، الهمّ الأكبر لسكان القمم همّ الآخرة، أما الدنيا فقد استصغروا متاعها واحتقروا نتائجها، وترفعوا عن الاستغراق فيها، فتحرروا من قيودها وهمومها,إنها وعيد من الله لمن كانت الدنيا أكبرَ همّه، فلا يزال لاهثاً وراء المال والمناصب والشهوات، يعبّ منها، لكنه لا يشبع ولا يرتوي ولا يكتفي بل يظل في طلب المزيد، غافلاً عن أنه لا يأتيه إلا ما كتب الله له من الرزق،وأن حاله هذا هو عين الفقر،ولا يحصل له الرضى بما جمع من المال،وفي الحديث(جعل الله فقره بين عينيه)وفي المقابل حال الرجل الصالح الذي جعل الآخرة همّه، فهو في سعي دائم لتحصيل الحسنات، والوصول إلى مرضاة رب الأرض والسماوات، مع حُسن توكله على الله، فهذا يجمع الله له أمره، ويرزقه القناعة والرضى وغنى النفس، ويبارك له في ماله وصحته وأولاده، وهذا هو الغِنى الحقيقي,فنعيم الدنيا قليل زائل، يشوبه الكدَر،أما نعيم الآخرة فسرور كله، لا نكد فيه ولا أحزان,وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, الأسوة والقدوة في نظرته إلى الدنيا، فلم يركن إليها ولا تعلق بـها، بل كان شأنه صلى الله عليه وسلم, فيها كشأن الراكب المسافر، الذي إستظل في طريقه تحت ظل شجرة ثم قام يواصل سيره،فلله در الهمم كما قال ابن القيم ,ما أعجب شأنها وأشد تفاوتها، فهمة متعلقة بالعرش، وهمة هائمة حول الأنتان والحش,سكان القمم ,يتعبون لبلوغ المعالي، ويقاسون المشقة للصعود في درجات الكمال، لكنه تعب يعقبه فرح، ونعيم لا شقاء بعده,سكان القمم في كل وقت يقل عددهم، ولكن يجلّ قدرهم، حتى إن ماتوا فهم أحياء، فكم من أناس موتى تحيى القلوب بذكرهم، وأناس أحياء تموت القلوب برؤيتهم,كان علي بن الحسين ,يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول, إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل,قال عمرو بن ثابت, لما مات علي بن الحسين فغسّلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا, ما هذا, فقيل, كان يحمل جِرَبَ الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة,وداود بن أبي هند, صام أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد، فيحمل معه غداءه من عندهم، فيتصدق به في الطريق ويرجع عشياً فيفطر معهم، فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه قد أكل في السوق,سكان القمم من أكثر الناس تعرضاً للبلاء والفتن، قال ,صلى الله عليه وسلم(أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)إن الجنة غالية لكنها محفوفة بالمكاره، ومن رام السعادة تصدّر لعبور جسر المشقة بالجد والاجتهاد,فاتخذ من ساكني القمم أعواناً، واخلط نفسك مع الأبرار، وطهّرها من الفجار، فالمرء يعرف بقرينه، فاصحب من يحملك في سيرك إلى الله ,وأعلى مطلب تسمو له قلوب سكان القمم جنة الله تعالى (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)مطلب يستحق المنافسة، وأفق تستحق السباق، الذين يتنافسون في شيء من أشياء الأرض، مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في شيء حقير، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة هزيلة، فهون من شأنها، وارفع نفسك عنها,عمرو بن الجموح ,رضي الله عنه ,كان رجلاً شديد العرج، فلما كان يوم أحد قال رسول الله ,صلى الله عليه وسلم(قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، فقام وهو أعرج، فقال, فوالله إني لأرجوا أن أطأ بعرجتي هذه الجنة, فقاتل حتى قتل,
اللهم اجعلنا جميعاّ من سكان القمم العاليه ,
اللهم لا تجعل الدنيا أكبرهمنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا.
|
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فيصل الشمري
