التمويل الإسلامي لشراء الأسهم
تاريخ النشر: الأربعاء 22 مارس 2006, تمام الساعة 12:53 مساءً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة


منابر - أ. د. علي السالوس*:


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير المرسلين الذي أرسل رحمة للعالمين.

وبعد: نشرت صحيفة الشرق في 19 من ذي الحجة 1426 أن البنوك الإسلامية توصلت إلى آلية لتمويل الاكتتاب في الأسهم، وهذه الآلية وضعها أخي الحبيب العلامة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يحفظه الله ويرعاه.

قال فضيلته: رفضت حل «التورق» بكل صوره، فليس هناك تورق منضبط أو غير منضبط، فالتورق إذا دخل العمل المصرفي كان له من الآثار السلبية ما يعلمه أولو البصائر الأمناء وقد شاهدنا ذلك بأعيننا «وإنما أجزت التورق في موقف آخر لضرورة معينة، فينبغي أن تقدر بقدرها» ومثل ذلك الحل الذي يوكل فيه العميل ليشتري الأسهم وكيلاً عن البنك، ثم يتنازل البنك للعميل عن الأسهم بمقابل يتفقان عليه، فهذه صورة مرفوضة، وهي أقرب إلى الهزل منها إلى الجد.

لقد قبلت أسلوب المشاركة من باب الرخصة والتوسعة، لمن كانت له حاجة إلى الاكتتاب ولم يكن له طريق غير ذلك، لأني لا أحب التضييق فيما فيه وجه للسعة، ومع هذا فمن كان من أهل الورع والتحري، فليأخذ بالعزيمة، ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وخصوصاً إذا كان غرضه مجرد التوسع والاستزادة وقد قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب} ولا أقول إلا ما قال سيدنا شعيب: «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

هذا ما قاله فضيلته جزاه الله خيراً..

وأقول: إن الطريقتين اللتين كانتا متبعتين في بعض المصارف الإسلامية، ولم يجزهما، كنت عندما أسأل أبين أنهما غير جائزتين، ولا أحب هنا أن أقف عند هذا الموضوع، وأتوسع في بيان عدم الجواز، وخطأ المصارف الإسلامية التي أجازت هذا التعامل وطبقته، فيكفي هنا ما ذكره الشيخ القرضاوي، وهو رئيس هيئات الرقابة الشرعية، والمسؤول عن أعمالها.

وأسلوب المشاركة الذي أجازه فضيلته يقوم على أساس أن البنك يشارك بثلثي المبلغ المطلوب للشراء، والعميل يدفع الثلث، ويشترك الاثنان في الأرباح والخسائر بقدر نصيب كل منهما.

ومع أن الفتوى واضحة وضوحاً تاماً وجدنا التطبيق العملي مختلفاً اختلافاً يخرج العقد عن المشاركة، ويدخله في التمويل الربوي!! فالبنك بعد التخصيص، ورد المبالغ الزائدة، يأخذ مبلغ التمويل الذي دفعه كاملاً غير منقوص، مع زيادة محددة وهي ثلاثة آلاف ريال، وبنك آخر جعل الزيادة 5،1% من مبلغ التمويل وليس من الأرباح بحد أدنى ألف ريال.

وأكاد أجزم بأن هذا لم يعرض على فضيلة الشيخ القرضاوي، لأنه يتعارض مع فتواه، وتعارض التطبيق العملي مع الفتوى أمر خطير غير مقبول على الإطلاق.

ومن كان يسألني عن تمويل شراء الأسهم عن طريق البنوك الإسلامية كنت أبين له عدم الجواز، وكنت حريصاً على توضيح أن ما تطبقه البنوك الإسلامية يختلف عن فتوى فضيلة الشيخ القرضاوي.

وإذا كان نظام المشاركة المذكور لايرضي بعض العملاء، ولا يلبي حاجتهم، لأن العميل لا يأخذ من الأرباح إلا وهو حريص على ألا يقع في الحرام، فيمكن أن تكون المشاركة بطريقة أخرى تلبي حاجة المصرف والعميل معاً، وهي شراكة المضاربة الشرعية، أي القراض:

فمبلغ التمويل الذي يدفعه البنك يكون رأسمال مضاربة، ويتفق على نسبة الربح ولتكن 10% فمثلاً اشترك البنك بالثلثين، والعميل بالثلث، فبعد التخصيص ورد الأموال الزائدة يسترد البنك ثلثي المبلغ وليس مبلغ التمويل كاملاً، ويأخذ العميل الثلث.. وعندما يصبح بيع الأسهم جائزاً شرعاً يقوم العميل بالبيع، ويأخذ ثلث الثمن كاملاً، وأما الثلثان فيرد رأس المال للبنك مع 10% من الأرباح، ويأخذ العميل باقي الأرباح. ومعلوم أن نسبة الربح بحسب الاتفاق، والخسارة تكون تبعاً لرأس المال.

ومع هذا أرجو ألا ننسى ما ذكره فضيلة الشيخ القرضاوي بالنسبة لأهل الورع والتحري، كما أرجو مراعاة أن تكون الأسهم لشركات ليس فيها شيء من الحرام الخبيث.

نسأل الله تعالى أن يرينا الحلال حلالاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الحرام حراماً ويرزقنا اجتنابه.. ولله تعالى الحمد في الأولى والآخرة، والصلاة والسلام على خير البشر.

* النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وعضو مجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي