صفحة 7 من 8 الأولىالأولى ... 5678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 72

الموضوع: من أحصاها دخل الجنه...

  1. #61
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    (79) الرقيب :


    الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون عليه السلام :(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)[طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه.
    والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المجادلة:7] ، وقال : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم وإحاطة .
    والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى :(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )[ق:16/18] ، وهو سبحانه من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ورقيب أيضا على أفعال الإنسان قال تعالى :(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)[يونس:61].

  2. #62
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    (80) المحسن:

    المحسن في اللغة اسم فاعل ، فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحسْنُ ضدُّ القُبْح ، وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى :(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة )[يونس:26] ، فالحسْنى الجنة والزّيادة النظر إلى وجه الهس تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
    وقوله عز وجل :(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)[لقمان:22] ، والمحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمررضي الله عنه : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[النحل:90] ، قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص وهو شرط في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل : أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المراقبة وحُسْن الطاعة فإِن مَنْ راقَب اللهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا .
    والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه :(اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )[طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدل.

  3. #63
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    (81) الحسيب :
    الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب ، وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَف الثابِتُ في الآباءِ ، والحسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو.
    والحسيب سبحانه هو العليم الكافي الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته في ترتيب أسبابهم ، فضمن ألا تنفد خزائنه من الإنفاق ، وأن كلا سينال نصيبه من الأرزاق ، فهو الحسيب الرزاق وهو القدير الخلاق ، قال أبو حامد : ( الحسيب هو الكافي ، وهو الذي من كان له كان حسبه ، والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه ، وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره ، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده ، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل ، فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء ، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ).
    وهو سبحانه أيضا الحسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه ، واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران:173/174] ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا :(إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه.
    والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ، ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم في حال وجودهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها ، وحِسابُه واقعٌ لا محالة لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر ، كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب كما قال :(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )[غافر:17] ( ) .
    والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11] ، وقال تعالى :(هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً)[مريم:65].


    (82) الشافي :
    الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءَ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى :(وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ)[آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ بن عبد اللهرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) ، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال عن هجاء حسان رضي الله عنه لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشتفى بنَفسِهِ أَي اخْتصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتفيْتُ بكذا وتَشَفيْت من غيْظي.
    والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ، ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها وهداها وسيرها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا بها وعلق عليها الشرائع والأحكام تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل والأسقام كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) ، فهو سبحانه القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَاهُنَا لك أَجْمَعُ إِن أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فقال : إِنِّي لا أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى الله ، فإِن أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ ).
    والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها ، قال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية.

    (83) الرفيق :
    الرفيق في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله رَفقَ يَرْفق رِفقا ، والرِّفْق هو اللطف وهو ضد العنْف ، ويعني لِين الجانب ولطافة الفعل ، رفق بالأَمر وله وعليه وهو به رَفِيق يعني لَطِيف ، وعند أحمد من حديث عائشة أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ) ، فالرفق هو اللّطفُ ورَفِيقكَ هو الذي يُرافِقُك في السفر تَجْمَعُكَ وإِيّاه رفقة واحدة ، والرفيق أيضا هو الذي يتولي العمل برفق ، أو يتَرفق بالمريض ويتلطف به ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِى رمثة أن أباه قَالَ للرسول صلى الله عليه وسلم : ( أَرِنِي هَذَا الَّذِي بِظَهْرِكَ فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ قَالَ صلى الله عليه وسلم : الهُا الطَّبِيبُ ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ ، طَبِيبُهَا الذِي خَلَقَهَا ) ، والمِرْفَقُ من مَرَافِق الدار الأماكن المصاحبة للدار من خدمات مختلفة كمَصاب الماء ونحوُها والمَرفِق من الإِنسان والدابة أَعلى الذراع وأَسفل العَضُد .
    والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم ، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض أو حاجة ، فييسر أسبابهم وقدر أرزاقهم وهداهم لما يصلحهم ، فنعمته عليهم سابغة ، وحكمته فيهم بالغة ، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم ، ويقربهم وينصرهم على عدوهم ، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر ، يحاسب المؤمنين بفضله ورحمته ، ويحاسب المخالفين بعدله وحكمته ، ترغيبا لهم في توحيده وعبادته ، وحلما منه ليدخلوا في طاعته.
    والله عز وجل رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم ، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة ، فالمعية العامة كقوله تعالى :(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة:7] ، والمعية الخاصة كقوله :(وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال:19] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) ، وعند مسلم من حديث ابن عمررضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج للسفر : ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السفرِ وَالخلِيفة فِي الأَهْلِ .. الحديث ) ، وهو الرفيق الذي يجمع عباده الموحدين عنده في الجنة كما قالت امرأت فرعون :(رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا فِي الْجَنَّةِ)[التحريم:11] وعند البخاري من حديث عائشة قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ : لَنْ يُقْبَضَ نَبِي قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي ، غُشِي عَلَيْهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ، قُلْتُ : إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا ، وَهْوَ صَحِيحٌ ، قَالَتْ : فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ).

    (84) المعطي :
    المعطي اسم فاعل فعله من أعطى يعطي فهو معط ، والعَطِيَّة اسمٌ لما يُعْطي وجمعها عَطايا وأَعْطِيَة ، والعطاء إعطاء المال ، والعَطاء أَصله اللفظي عَطاو بالواو لأَنه من عَطَوْت إِلا أَن العرب تَهْمِزُ الواو والياء إِذا جاءتا بعد الأَلف لأنها أفضل في النطق والحركة ، ويقال : اسْتَعْطى وتَعَطي يعني سأَل العَطاء ، وإِذا أَردْتَ من زَيدٍ أَن يُعْطِيكَ شيئاً تقول : هل أَنتَ مُعْطِيَّه ؟
    والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية :(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه:50] ، وقال تعالى عن عطاء الآخرة :(وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاء رَبك عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )[هود:108] ، وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا ، فالعطاء العام يكون للخلائق أجمعين ، والعطاء الخاص يكون للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين ، فمن العطاء العام ما ورد في قوله تعالى :(كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)[الإسراء:20] ، والعطاء هنا هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة ، كل على حسب رزقه وقضاء الله وقدره ، ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء وتحقيق مطلب الأنبياء والصالحين من الأولياء ، ومن ذلك الدعاء والعطاء في قصة سليمان عليه السلام :(قَالَ رَبِّ اغفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[صّ:39] ، وكذلك في دعاء زكريا عليه السلام حيث قال :(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً)[مريم:5] فحقق الله مطلبه وأعطاه ما يتمناه فقال :(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)[مريم:7] وقال عن عطائه للمؤمنين في الآخرة :(جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً)[النبأ:36].

  4. #64
    عضو مميز الصورة الرمزية الكنترول
    رقم العضوية
    31561
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    قطر
    المشاركات
    1,342
    الله يعطيك العافية

  5. #65
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكنترول مشاهدة المشاركة
    الله يعطيك العافية
    ويعافيك ربي ويبارك فيك ..

  6. #66
    عضو
    رقم العضوية
    32117
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    الدولة
    البحرين
    المشاركات
    67
    بارك الله فيك

    وفي ميزان حسناتك

  7. #67
    عضو الصورة الرمزية سدااويه
    رقم العضوية
    32076
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    100
    جزاك الله خير الجزاء

    وجعلة في ميزان حسناتك

  8. #68
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    وجزاكم الله تعالى بمثله وبارك فيكم ،،

  9. #69
    عضو مميز
    رقم العضوية
    10587
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    المشاركات
    3,070
    85 المقيت

    المقيت اسم فاعل للموصوف بالإقاتة فعله أقات وأصله قَات يَقُوت قُوتا ، والقوت لغة هو ما يمسك الرمق من الرزق ، تقول : قات الرجلَ وأقاته أي أعطاه قوته والمصدر القوت ، وهو المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ).
    والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات وتكفل بإيصالها إلى الخلق ، وهو حفيظ عليها ، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان أو مكان أو كم أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة ، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير كيوم أو شهر أو سنة ، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة ، والله عز وجل خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان قال تعالى :(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفا أكلهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان مُتَشَابِها وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كلوا مِنْ ثمَرِهِ إِذَا أَثمَر وَآتُوا حَقهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المسْرِفِينَ)[الأنعام:141] ، وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق للإنسان والحيوان ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان ، وهو الحافظ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان ، قال البيهقي في تفسير الاسم : ( المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة ، وقيل : المقيت الحفيظ ، وقيل : هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل ).


    (86) السيد

    السيد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة ، أصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقلبت الواو ياء لأجْل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقد سادهم سُودا وسِيادة يعني استادهم ، والسَّيّد يُطلق على الربِّ والمالِك والشَّرِيف والفاضل والكريم والحليم ومُتَحمِّل أذى قومِه والزَّوج والرئيس والمقدَّم ، والسيد على الإطلاق هو الله لأنه مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه.
    والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة ، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم ، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم ، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم ، قال ابن القيم : ( وأما وصف الرب تعالى بأنه السيد فذلك وصف لربه على الإطلاق فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون وبأمره يعلمون وعن قوله يصدرون ، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له سبحانه وتعالى وملكا له ليس لهم غنى عنه طرفة عين وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو سبحانه وتعالى السيد على الحقيقة ).
    وقال الآلوسي في روح المعاني : ( وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه ، وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث )، وقال ابن القيم : ( السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق ).


    (87 ) الطيب

    الطيب في اللغة على بناء فِعْل ، فعله طاب يطيب طيبا فما أطيبه ، يعني ما أجمله وما أزكاه وما أنفسه ، وما أحلاه وما أجوده ، والطيب يكون في المحسوسات وغيرها فالطيب من المحسوسات هو ما لذ وزكا من خيار المطعومات والملبوسات في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى :(كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً )[البقرة:168] ، وقال تعالى عن طيبات الآخرة :(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ )[الصف:12] ، أما الطيب في غير المحسوسات فهو كالطيب من القول والكلمات أو الباقيات الصالحات كما في قوله تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)[إبراهيم:24].
    والله عز وجل طيب له الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته ، قال تعالى :(اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8] ، وقال تعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11] ، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن ، فهو الذي أتقن كل شيء ، وأحسن كل شيء ، فالحكيم اسمه والحكمة صفته ، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله ، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير ، قال تعالى :(صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النمل:88] ، وقال :  صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ  [البقرة:138] ، وقال :(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ )[السجدة:7] ، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ، قال القاضي عياض : ( الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث ).
    وهو سبحانه الطيب الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة سينتقلون عنها ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم رغبة في القرب من الله.

    (88) الحكم
    الحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الحاكم ، وهو الذي يحَكم ويفصل ويقضي في سائر الأمور ، فعله حكم يحكم حُكْما ، والحكم العلم والفقه ، قال الله تعالى :(يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكمَ صَبِيّا)[مريم:12] ، والحكم القضاء بالعدل قال تعالى :(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[النساء:58] ، والحَكَم بفتحتين هو الحاكم ، وحَكَّمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحُكْمَ فيه ، واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكمُوا بمعنى واحد قال تعالى :(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )[النساء:65] ، والمحاكمة هي المخاصمة إلى الحاكم.
    والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، إما إلزاما لا يرد وإما تكليفا على وجه الابتلاء للعباد ، فحكمه في خلقه نوعان :
    أولا : حكم يتعلق بالتدبير الكوني وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة ، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن ثم لا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا راد لقضائه وقدره ، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى :(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[الرعد:41] ، وكذلك قوله : (قَال رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ )[الأنبياء:112] ، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك .
    ثانيا : حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب ، ومثاله ما جاء في قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)[المائدة:1] ، ومثال الحكم الشرعي أيضا قوله تعالى :(وَمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلى اللهِ )[الشورى:10] ، وقوله : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَمَا أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ)[المائدة:43] .
    قال القرطبي : ( فالحَكَم من له الحكم وهو تنفيذ القضايا وإمضاء الأوامر والنواهي وذلك بالحقيقة هو الله تعالى ، فهذا الاسم يرجع تارة إلى معنى الإرادة ، وتارة إلى معنى الكلام ، وتارة إلى الفعل ، فأما رجوعه إلى الإرادة فإن الله تعالى حكم في الأزل بما اقتضته إرادته ، ونفذ القضاء في اللوح المحفوظ ، يجري القلم فيه على وفاق حكم الله ، ثم جرت الأقدار في الوجود بالخير والشر ، والعرف والنكر على وفاق القضاء والحكم ، وإذا كان راجعا إلى معنى الكلام فيكون معناه المبين لعباده في كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال لمن يبين للناس الأحكام وينهج لهم معاني الحلال والحرام : حكم ، وعلى هذا فلا يكون في الوجود حكم إلا كتابه ، فعنده يوقف إذ هو الحكم العدل ، وإذا كان راجعا إلى الفعل فيكون معناه الحكم الذي ينفذ أحكامه في عباده بإشقائه إياهم وإسعاده وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده ).
    وقال ابن القيم في نونيته :
    والحكم شرعي وكوني ولا يتلازمان وما هما سيان
    بل ذاك يوجد دون هذا مفردا والعكس أيضا ثم يجتمعان
    لن يخلو المربوب من إحداهما أو منهما بل ليس ينتفيان
    لكنما الشرعي محبوب له أبدا ولن يخلو من الأكوان
    هو أمره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر الأزمان
    لكنما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والإحسان
    هو كله حق وعدل ذو رضا والشأن في المقضي كل الشان

  10. #70
    عضو نشط جداً الصورة الرمزية مستثمره
    رقم العضوية
    12588
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    1,222
    باااارك الله فيك

صفحة 7 من 8 الأولىالأولى ... 5678 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •