دراسة : ضرورة العمل على تنويع مصادر الدخل بصورة أكثر فعالية لضمان استقرار الدخل القومي الخليجي وعدم اعتماده على النفط
أرقام 25/10/2008
أكدت دارسة حديثة على أن هناك فجوة كبيرة بين التدفقات الفعلية من رأس المال الأجنبي المباشر ، وإمكانات اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي ، رغم نجاحها إلى حد كبير في توفير المناخ الملائم للاستثمار الأجنبي المباشر ، ألا أن ذلك لم يسهم في جذب هذا الاستثمار بالحجم الذي يتلاءم مع إمكانات اقتصاديات دول المجلس .

وبينت الدراسة التي أعدها فريق عمل من جامعة الإمارات بعنوان ' رأس المال الأجنبي في دول المجلس : التشريعات والأطر القانونية ودورها في جذب وتفعيل الاستثمار والنمو الاقتصادي ' أن قوانين الاستثمار الوطنية في دول المجلس لم تتضمن نصا يحدد الهدف من إصداراها كما في العديد من قوانين الاستثمار الأجنبي في الدول الأخرى بما فيها الدول العربية. وربما يعود السبب إلى تجنب الدخول في تحديد مجالات الاستثمار، إذ أن تحديد الهدف من القانون يحمل ضمنا التزاما من حيث المبدأ بفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية. فمع أن القوانين الخليجية تضمنت نصوصا واضحة حول هوية المستثمر بأنه الشخص الطبيعي أو الاعتباري، إلا أنها أرفقت ذلك بنصوص أخرى تتضمن شروطا متعددة تتعلق بتوزيع نسبة الملكية بين المستثمر الوطني والأجنبي.

وأشارت أن إلى أن هناك تحديات أساسية تواجه دول المجلس فيما يتعلق بجذب رأس المال الأجنبي المباشر، حيث لازالت هذه الدول تعتمد على النفط كمكون أساسي للدخل القومي وإيرادات الحكومة ، كما أن المواطنين يمثلون أقلية في التركيبة السكانية وبالتالي في قوة العمل. بالإضافة لسمات عامة أخرى لاقتصاديات دول المجلس. ونظرا لما تلعبه هذه العوامل من دور هام في اجتذاب رأس المال الأجنبي المباشر.

وبينت الدراسة أن دول المجلس تتميز بوجود طبقة من التجار ورجال الأعمال ذات النفوذ والتي قد تتعارض مصالحها في المدى القصير مع السياسات الخاصة بتحرير الاقتصاد وتشجيع رأس المال الأجنبي على المساهمة في النشاط الاقتصادي ومن هنا لابد من التأكيد على أن عمليات تحرير الاقتصاد وتشجيع رأس المال الأجنبي للاستثمار بهذه الدول سيفيد كل الأطراف المشتركة في عملية التنمية في المدى الطويل بما فيها طبقة كبار التجار.كما يجب أن لا يغيب عن أذهان متخذي القرار أن الاستثمار المحلي هو المحرك الرئيس للنمو و أن الاستثمار الأجنبي قد يكون مكملا و ضروريا لدفع عجلة النمو إلى الأمام من خلال الاستفادة من نقل التكنولوجيا و المهارات التسويقية، و من ثم يجب أن تترافق سياسات الاستقطاب للاستثمار الأجنبي مع سياسات مماثلة لاسترجاع مدخرات و استثمارات القطاع الخاص المحلي إلى داخل البلد.، لذا فهناك أهمية قصوى من خلال تحديد الهدف من جذب الاستثمار الأجنبي بحيث يكون هذا الهدف متسقا مع الأهداف الاقتصادية و التنموية العامة للدول. فإذا كان الهدف التأثير على مستوى الادخار والاستثمار المحلي فأن الاستثمار الأجنبي يجب أن لا يستهدف القطاعات المحلية التي تتسم بالكفاءة الإنتاجية لأن ذلك يؤدي إلى مزاحمة الاستثمار المحلي ويكون ذا نتائج سلبية على النمو الاقتصادي. بل يمكن أن يوجه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى منتج أو خدمة جديدة ، فذلك قد يشجع الاستثمار الوطني في هذا المنتج ويؤدى إلى تأثير ايجابي على النمو الاقتصادي. كما يجب ألا تقتصر الجهود التي تبذلها دول الخليج لتوسيع دور القطاع الخاص المحلي و الأجنبي في النشاط الاقتصادي على المستوى القطري بل من الضروري أن تأخذ في الاعتبار توسيع دور القطاع الخاص في تحقيق التكامل الاقتصادي على المستوى الخليجي فمن الضروري لدول الخليج العربي أن تبدأ بتشجيع الاستثمارات المحلية على المستوى الإقليمي و تفتح الطريق أمامها للعمل بحرية كاملة ضمن كافة دول الخليج و التي تشكل كمجموعة سوقاً أكبر و قاعدة خدماتية أقوى من شأنها أن تساعد على نجاح هذه الاستثمارات ، مؤكدة أن هذا النجاح سيكون حيوياً لاستقطاب أحجام هامة من الاستثمارات العالمية في العديد من القطاعات الاقتصادية.

وأوضحت الدراسة أن دول مجلس التعاون عملت من أجل تحسين المناخ الاستثماري وخلق ظروف أفضل لتدفق الاستثمارات الخاصة وجذبها إلى مختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع النفطي، بعد أن اتخذت هذه الدول في الآونة الأخيرة خطوات ملموسة نحو تغيير الأطر التنظيمية الداخلية و الخارجية الخاصة بالاستثمار الأجنبي، باستحداث قوانين خاصة أو تشريعات تهدف إلى تشجيع الاستثمار ، حيث بادرت بعض الدول إلى إيجاد أجهزة خاصة باستقبال الاستثمار من خلال الأجهزة الحكومية المعنية. إلى جانب جهود الدول في التعريف بمجالات الاستثمار المتاحة فيها وبلورة فرص استثمارية والترويج لها، جنبا إلى جنب مع جهودها لتعبئة الموارد المالية المحلية لإنشاء شركات استثمار وطنية ومشتركة،كما تقوم الحكومات الخليجية بتقديم مجموعة مهمة من الحوافز المالية والضريبية للمستثمرين بشكل عام، والأجانب منهم بشكل خاص، بغية إيجاد مناخ الاستثمار القادر على تشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية، وزيادة مساهمتها في الفعاليات الاقتصادية في البلاد.

وقالت الدراسة أن من شأن تنسيق السياسات و توحيد القوانين أن يقوي موقف دول المجلس و يقلل العوائق الإدارية ويعمل على تشجيع قيام المشروعات الخاصة المشتركة و دمج المشروعات القائمة. من هذا المنطلق تأتي أهمية إقرار قانون موحد للاستثمار الأجنبي يعتبر سوق دول المجلس سوقا واحدة مما يشجع على جذب الاستثمار الأجنبي و يوسع من خياراته. كما يجب أن يتم إشراك القطاع الخاص في عمليات التفاوض وصياغة الاتفاقيات ما بين دول المجلس من جهة و بينها و بين الدول الأخرى من جهة ثانية، لضمان قبوله بهذه الاتفاقيات و سعيه إلى إنجاحها و مشاركته في فرص الاستثمار المتاحة. وعلى دول المجلس أن تهتم بإعطاء الأولوية لمشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تنتج سلعا للتصدير و العمل على إلغاء العوائق الإدارية والاتفاق على وجود مواصفات قياسية تتناسب مع المواصفات العالمية مما يساعد على انسياب الصادرات بين دول المجلس و توسيع القاعدة السوقية للمنتجات الوطنية و الأجنبية. كما يجب أن تراعي سياسات الاستثمار متطلبات المستثمرين الأجانب من حيث إمكانية تحقيق عوائد مناسبة على استثماراتهم، مع وجود الاستقرار في الأنظمة و القوانين و الاستقرار السياسي وتوفر مناخ استثماري جيد في ظل بيئة اجتماعية ملائمة و ثقة من جانب المستثمر في ديناميكية الاقتصاد. كما يجب عند صياغة القوانين الموازنة بين الشروط و المزايا لأن كثرة الشروط بدون موازنتها بالحوافز و المزايا لا تحفز المستثمر الأجنبي بدرجة كبيرة. يجب التركيز على تحسين الشفافية و التي تعتبر عاملاً رئيسياً وأساسياً في جذب الاستثمار الأجنبي. كما أن تبادل المعلومات والخبرات في مجال برامج و سياسات و حوافز الاستثمار الأجنبي المباشر بين الحكومات، يساعد بدرجة كبيرة على فسح المجال للتعلم وزيادة المعرفة حول الممارسات في هذا المجال.

وأكدت إن تحقيق الاستفادة القصوى من رأس المال الأجنبي يستدعي تحديدا أكثر للمجالات والأنشطة الاقتصادية المطلوب استثمار رأس المال الأجنبي فيها، والسياسات والحوافز المرافقة لكل نوع من أنواع الاستثمار الأجنبي المطلوب.

وبينت الدراسة أن التحدي الأكبر الذي يواجه دول مجلس التعاون يتمثل في قدرتها على اختيار الاستثمار الذي يلبي حاجاتها الوطنية و يحقق أهدافها الاقتصادية ويساعدها على الاندماج في الاقتصاد العالمي والمنافسة في الأسواق العالمية وبالتالي فأن المزايا الرئيسية التي تتوقعها من الاستثمار الأجنبي تتمثل في تعزيز هذه القدرة من خلال تطوير الإنتاج و رفع كفاءته باستخدام التكنولوجيا المتطورة والنفاذ إلى الأسواق بمساعدة الشركات الأجنبية التي تعتبر أكثر تطوراً وأقدر على المنافسة لأنها هي المالكة للابتكار والتطبيقات في مجالات الإنتاج والتسويق و التوزيع عبر العالم.

واقترحت الدراسة المضي قدما في تطبيق قانون استثماري موحد يكون أداة لتحفيز رأس المال الأجنبي , لذا من الملائم أن تقوم هيئة خليجية مشتركة مستقلة مهمتها وضع الأسس الملائمة لتعزيز المناخ الاستثماري و تسويق الفرص الاستثمارية و مراجعة الأنظمة والتشريعات و توحيدها على المستوى الخليجي والقيام بالدراسات الهادفة لإيجاد السبل لتطوير المناخ الاستثماري ووضع نظام موحد لمنح الامتيازات لتشجيع الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الحيوية لعملية التنويع الاقتصادي لمصادر الدخل، مع اهمية التركيز على توسيع خيارات البحث عن المستثمر الأجنبي فلا يقتصر التركيز على جذب الاستثمار الأجنبي من الدول المتقدمة فقط بل يجب أن يفتح المجال أمام الاستثمار من الدول النامية. فقد لوحظ في السنوات القليلة الماضية أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول النامية في ازدياد و قد وصل إلى 30% من هذه التدفقات للدول النامية. وهذا يعنى أن دول المجلس يمكن أن توجه بعض الجهد لجذب رأس المال من هذه الدول. كما يمكن لدول مجلس التعاون أن تستفيد بصورة أكبر من البرامج التي تقدمها المؤسسات الدولية لمساعدة الدول النامية، فعلى سبيل المثال يقدم مكتب الخدمات الاستشارية للاستثمار الأجنبي Fias التابع للبنك الدولي خدمات متخصصة لمساعدة الدول النامية في جذب الاستثمار الأجنبي. و بالرغم من أن بعض دول المجلس استفادت من هذه الخدمات إلا أنه ما زال هناك مجال أكبر للاستفادة من هذه البرامج و الخدمات في الدول الأخرى.

وخلصت الدراسة لعدد من التوصيات الجوهرية التي من شأنها جذب رأس المال الأجنبي لدول المجلس لعل من أبرزها الاستقرار السياسي والاقتصادي واللذان يعتبران من أهم العوامل الجاذبة لرأس المال الأجنبي، العمل على تنويع مصادر الدخل بصورة أكثر فعالية لضمان استقرار الدخل القومي وعدم اعتماده على النفط العنصر الذي يشوبه التذبذب و عدم الاستقرار مما سيؤدي إلى استقرار في الموازنات العامة و الإيرادات الحكومية. بالإضافة الى تغيير دور الحكومة من لاعب رئيسي في النشاط الاقتصادي إلى حكم في إدارة هذه الأنشطة الاقتصادية من خلال توفير البيئة المؤسساتية المتطورة و القوانين التشريعية الواضحة و الصريحة ، كما يجب إجراء إصلاحات جذرية في سوق العمل بهدف تحريره والتخلص من ازدواجية الأجور بين القطاع العام والخاص في معدل الأجور و التركيز على أن يكون الأجر مرتبطاً بالإنتاجية و ليس بالجنسية. كما أن توفر الأعداد الكافية من العمالة التقليدية والفنية الماهرة يشكل عنصرا أساسيا من عناصر التنمية في دول المجلس ، التقليل معدلات التذبذب والعجز في الموازنات الحكومية و إيجاد مصادر تمويل جديدة فأنه من الضروري البدء بالتفكير في تبني نظام ضريبي على الدخول و على الأرباح يتسم بالشفافية وسهولة التطبيق ويتم التنسيق في رسمه وتنفيذه بين دول المجلس المختلفة.