دعوة المستثمرين الخليجيين لإعادة النظر في خيارات الاستثمار العقاري

قلة من الموضوعات الاقتصادية‚ باستثناء أسواق الأسهم ربما‚ تحظى بقدر واسع من الاهتمام في منطقة الخليج اليوم مثل الذي تحظى به الاستثمارات العقارية‚ ففي هذه المنطقة التي كان الشيوخ فيها في الماضي يهبون الأرض لمواطنيهم وكان يتعين على المقيمين الأجانب أن يعيشوا حياتهم في عقارات مستأجرة‚ تغير الحال اليوم وأصبحت طائفة مذهلة من المشاريع السكنية متاحة أمام المستثمرين من جميع الجنسيات‚ فمن شقة فاخرة في «برج دبي» إلى جزيرة خاصة في (العالم) من فيللا على الشاطئ في «لؤلؤة قطر» إلى بيت مطل على الميناء في (الموجة) خارج مسقط‚ وأكثر ما يركز عليه الجيل الجديد من أصحاب المشروعات العقارية في الخليج هو السكن الذي تتوافر فيه سبل الرفاهية والعيش المريح‚

ظهور هذه السوق الدولية النشطة في هذه الفترة الزمنية القصيرة أمر مذهل حقا‚ فمنذ أن فتحت دبي الباب بسماحها للأجانب بشراء منازل في مشروعات عقارية مختارة في منتصف العام 2002‚ حذت الحكومات في أنحاء المنطقة حذو دبي وسعت لتشجيع الأجانب على الاستثمار في الاقتصاد المحلي‚ وأتقنت شركات الاستثمار العقاري الكبرى تسويق مشروعاتها وهي لا تزال خططا على الورق وهو ما يعني قيام زبائنهم بتمويل الجانب الأكبر من المشروع حتى قبل ان تبدأ بأول ضربة فأس واحدة في الأرض‚

لكن بعض الخبراء يعتقدون أن المستثمرين وأصحاب الشركات العقارية الذين يقتصر تركيزهم على سوق المساكن الفاخرة‚ قد يصبحون قريبا ضحايا لنجاحهم في السوق الرائدة بدولة الإمارات العربية المتحدة‚ فقد أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة FutureBrand مؤخرا أن الأسعار في مشروع «الينابيع» الذي نفذته شركة «إعمار» في دبي ارتفعت بنسبة تزيد على 35 بالمائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية‚ فبينما كان ثمن الفيللا التي تبلغ مساحتها 465 مترا في العام 2003 في مشروع «النخلة جبيل علي» 708 آلاف دولار‚ بلغ ثمن فيللا بنفس المساحة في مشروع «نخلة الديرة» بعدها بعام واحد ضعف ذلك المبلغ أو أكثر‚

ولا يمثل ارتفاع الأسعار السبب الرئيسي للقلق‚ حيث أن أسعار المنازل في دبي لا تزال تعادل ثلث ثمن المنازل المماثلة في مدينة بريطانية بنفس حجم دبي‚ لكن ما يدعو إلى القلق حقا هو أن المستثمرين يميلون للتركيز بشدة على المشروعات السكنية الفاخرة على حساب القطاعات الأكثر استقرارا في سوق العقارات‚ فعلى سبيل المثال يجري حاليا استثمار نحو 45 مليار دولار في تنفيذ مشروعات إنشائية في دبي في حين جرى الالتزام باستثمار 45 مليار دولار أخرى في مشروعات لا تزال على الورق‚ ويعني ذلك أن ما يقرب من 90 في المائة من جميع المباني الجديدة التي يجري تشييدها في دولة الإمارات العربية المتحدة مصممة لتصبح مجمعات شقق فاخرة‚

ولذا فإنه لا عجب في أن يجد رئيس البنك المركزي الإماراتي سلطان بن ناصر السويدي نفسه مضطرا لتوجيه تحذير للسوق في شهر سبتمبر الماضي‚ وقال السويدي: «نتوقع أن يحقق قطاع العقارات نتائج جيدة جدا حتى العام المقبل ‚‚ وسيكون لدينا في العام المقبل عدد أكثر من اللازم من الوحدات السكنية وإذا لم نتخذ إجراءات‚ فإن ذلك ستنتج عنه مشكلات معينة»‚

وإذا أمعنا النظر فإننا سنكتشف أن سوق المباني السكنية في دبي يتطلب درجة عالية من الحذر‚ فمن ناحية تشير الأرقام إلى أن ربع مليون مقيم جديد قدموا إلى دبي العام الماضي‚ وأنه خلال النصف الأول من العام 2005 ارتفعت أسعار الإيجارات بنسبة 40 في المائة‚ وعندما يضع مرسوم اتحادي إماراتي طال انتظاره تعريفا محددا للتملك الحر للأجانب‚ فإنه يتوقع أن تتلقى السوق دفعة أخرى‚ ومن ناحية أخرى‚ يشير المحللون إلى أن غالبية المشروعات السكنية الجاري تنفيذها حاليا في دبي من المقرر تسليمها خلال عامين أو ثلاثة أعوام‚ وينتظر أن تتقارب مستويات العرض والطلب خلال الأعوام القليلة المقبلة‚ ولكن بحلول عام 2010 تقريبا فإن المعروض من المنازل غير المخصصة للإيجار قد يفوق لحد بعيد عدد الأشخاص الراغبين في الشراء وبالتالي فإن الأسعار ربما تنخفض انخفاضا كبيرا‚

وفي ظل هذه التناقضات الأساسية في السوق‚ يعتقد روبرت لوفيت‚ الشريك المفوّض في شركة «لاندمارك» العقارية في دولة الإمارات العربية المتحدة أن المستثمرين يجب أن يرفعوا شعار الانتقاء والتنويع‚ ويقول: «قبل أربع سنوات كان بوسع المرء أن يلقي نظرة على خريطة دبي‚ ويشتري عقارا هناك ويحقق ربحا ‚‚ أما اليوم فإن الأمر لم يعد بهذه السهولة‚ فقد أصبح بعض المستثمرين متعلقين عاطفيا بشدة بالعقارات السكنية الفاخرة والوعد المتمثل في (التملك الحر) في حين أنه من الأفضل بالنسبة لهم أن يبحثوا عن النمو والاستقرار على المدى الطويل في قطاعات مثل العقارات التجارية والمساكن معقولة السعر للموظفين من الطبقة الوسطى»‚

ورغم أن العرب مستثمرون نشطون في العقارات التجارية في الخارج منذ سنوات‚ لاحظ لوفيت وزملاؤه أنه في منطقة الخليج وفي مجال الاستثمار العقاري في الأصول غير السكنية فإن المستثمرين يعملون منفردين بحيث ان الأفراد والشركات ينفذون مشروعات عقارية ويشترون عقارات في حدود ما تسمح بها إمكاناتهم‚ لكن أحدا لم يقدم على تطوير أدوات استثمار جماعي تمكن المستثمرين من تجميع أصولهم والاستفادة من فرص العقارات التجارية الكبيرة كشركاء‚

ولذلك فقد قررت لاندمارك استغلال هذه الفجوة في السوق وأسست قسما لإدارة الاستثمارات يزاوج بين دراية المجموعة بالسوق وأسلوب منهجي لتوجيه إدارة الأصول‚ وفي شهر نوفمبر الحالي سيغلق القسم الجديد لاندمارك لإدارة استثمارات العقارات Landmark Real Estate Investment Management (LRIM) باب الاكتتاب في أول «صندوق للفرص العقارية» في دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يهدف إلى تحقيق عائد إجمالي بنسبة 20 في المائة على الأقل على رأس المال المســــــتثمر عند استحقاق الصــــندوق خلال سبع سنوات‚

ويقول كريس باردون رئيس إدارة الاستثمار في LRIM إن أسلوب عمل الصندوق سيتمثل في شراء أصول في قطاعات تشهد عدم توازن بين العرض والطلب على المدى المتوسط وبخاصة في مواقع يحتمل أن تؤدي مشروعات تحسين البنية التحتية فيها- مثل مطار دبي الثاني في منطقة جبيل علي أو مشروع مد طريق الإمارات الشمالي إلى الشارقة- إلى زيادة الأسعار فيها‚ وسيتم بعد ذلك دمج هذه الأصول في حافظة سندات تحقق عائدات كبيرة مع أقل قدر من المخاطرة‚

وأضاف باردون أنه «بالنسبة للمستثمرين‚ فإن أية أنباء عن احتمال انخفاض أسعار العقارات قد تكون مدعاة للقلق ‚‚ لكن المرء يجب أن يكون واضحا في تحديده للعقارات‚ فهناك احتمال بوجود عرض زائد من الشقق الفاخرة في دبي في حين تتعرض عائدات تأجير الشقق في منطقة المارينا‚ على سبيل المثال‚ لضغوط تدفعها للهبوط‚ وعلى النقيض من ذلك‚ فإنه رغم أن المباني التجارية تمثل أقل من عشرة في المائة من العقارات الجاري العمل في بنائها في دبي‚ فإننا نرى فرصا كبيرة في ذلك القطاع‚ وعلى سبيل المثال‚ فإن مستودعا مساحته 70 ألف قدم مربعة اشتراه صندوقنا يولد 45 في المائة كعائدات على المال المستثمر»‚

وبعد العثور على ثلاثة أصول مناسبة لتأسيس حافظة سنداته بما في ذلك هذا المستودع‚ فإن باردون يعكف حاليا على دراسة صفقات شراء محتملة أخرى في قطاعاته المفضلة المتمثلة في المكاتب والمستودعات ومنافذ البيع بالتجزئة والفنادق التجارية والمساكن المعقولة السعر‚