(31) المتعال :
المتعالي اسم فاعل من تعالى ، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال ، وهو أبلغ من الفعل علا ، لأن الألفاظ لما كانت أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت زيادة المعنى فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى ، والتعالي هو الارتِفاع ، قال الأَزهري : ( تقول العرب في النداء للرجل تَعال بفتح اللام ، وللاثنين تَعالا ، وللرجال تَعالوْا ، وللمرأَة تَعالي ، وللنساء تَعَاليْنَ ، ولا يُبالونَ أَين يكون المدعو في مكان أَعْلى من مكان الداعي أَو مكان دونه ).
والمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر ، وهو أحد معاني العلو ، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) ، وقال أيضا في موضع آخر : ( وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه).
فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى :(وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام:18] ، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر ، وكذلك قوله تعالى :(وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) [الأنعام:61] ، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.
(32) الواحد :
الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين.
والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر).
روى البخاري من حديث عمران أنه قال : ( إني عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءهُ قومٌ من بني تميم ، فقال : اقبَلوا البُشرى يا بنِي تميم ، قالوا : بشَّرْتنا فأعطِنا ، فدخلَ ناسٌ من أهل اليمن فقال : اقبلوا البُشرَى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قبلنا جئناك لنتفقه في الدِّين ، ولنسألك عن أولِ هذا الأمر ما كان ؟ قال : كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ وكان عرشه على الماء ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ).
وقال تعالى :
(مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف:51] ، فهو سبحانه وحده الذي خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ولا وزير ولا مشير ، ومن ثم فإنه وحده المنفرد بالملك ، وليس لأحد في ملكه شرك كما قال تعالى :(قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ) [سبأ:22] .
ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين ، وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة ، إما أن تنفذ إرادتهما ، أو لا تنفذ ، أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كِلا الضدين ، فإن الضرورة تقتضي أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته هو الإله المنفرد الواحد القادر على تحصيل ما يشاء ، قال تعالى :(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون:91] ، فلا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا وهو الله سبحانه ، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية ، فلو كان للعالم إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه ، قال تعالى :(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنبياء:22] ، فأساس قيام الخلق وبقاء السماوات والأرض هي وحدانية الله وانفراده عمن سواه قال تعالى :(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر:41] وقال أيضا :(وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَحِيمٌ )[الحج:65].
(32) القهار :
القهار صيغة مبالغة ، فعال من اسم الفاعل القاهر ، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، فلا يقوى ملك من الملوك على أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القهار ، ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ، ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجئون ؟ ، قال تعالى :(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون:88] ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ) ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق.
أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم ، وقهر قوم هود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، قال تعالى :(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوح مِّن قبْل إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أظلمَ وَأطغَى وَالمؤْتَفِكة أهْوَى فغَشَّاهَا مَا غشَّى فبِأيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذرِ الأولَى)[النجم:56:50] وقهر قوم صالح وقوم لوط ، وقهر أبا جهل والمشركين وقهر الفرس والصليبيين ، والله سبحانه قهار لكل متكبر جبار ، والدنيا فيها المتكبرون وما أكثرهم ، وفيها المجرمون وما أظلمهم ، والمستضعفون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار ، وملك قادر جبار ، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد لكل متكبر جبار قال تعالى :(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ التِي لَمْ يُخْلقْ مِثلهَا فِي البِلادِ وَثمودَ الذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكثرُوا فِيهَا الفَسَادَ فَصَبَّ عَليْهِمْ رَبكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِن رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ )[الفجر:6/13] ، فالقهار كثير القهر قهره عظيم أليم ، يقصم ظهر الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال ، ويقهر من نازعه في ألوهيته وعبادته ، وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته.
(33) الحق :
الحق في اللغة اسم فاعل ، فعله حَقَّ يَحِق حقا ، يقال : حققت الشيء أحقه حقا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ، والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال ، وكذلك العدل خلاف الباطل والظلم ، والحق يقال للاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة ، كقولك : اعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ، والحق له استعمالات كثيرة في القرآن ، منها الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن والحقيقة ، ومنها أيضا الحساب والجزاء كقوله : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ) [النور:25] .
والحق اسم لله سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال أو فناء ، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال ، والعظمة والجلال قال تعالى :(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج:62] ، وكقوله : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحج:6] ، والحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق كما قال :(وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) [يونس:82] ، وقال سبحانه :(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73] ، وقال تعالى :(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ) [النور:25].
(35) المبين :
المبين اسم فاعل من الفعل بان أو أبان ، وأصل البَينُ التميز والظهور ، والبُعْد والانفصال ، يقال : بانَ الحقُّ يَبينُ بَيانا فهو بائنٌ ، أو أَبان يُبينُ إِبانة فهو مُبينٌ ، فمن الأول تَبَايَنَ الرجُلانِ أي بان كل واحد منهما عن صاحبه ، وكذلك في الشركة إِذا انفصلا ، وبانَت المرأَة عن زوجها يعني انفصلت عنه بتَطليقةٌ بائنة ، والبائن أيضا بمعنى الظاهر المبين الواضح كما في قوله :(فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ) [الأعراف:107] وقوله :(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ )[الدخان:10] .
ومن الثاني أبان القول بيانا يعني أظهره بفصاحة ، والبَيان الفصاحة واللسَن والإِفصاح مع ذكاء ، والبَيِّن من الرجال السَّمْح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتَج ، وفلانٌ أَبْيَن من فلان أَي أَفصح منه وأَوضح كلاماً ، وعند البخاري من حديث ابن عمر أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا ، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ ) ، فالبَيان إِظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ.
والمبين هو المنفرد بوصفه المباين لخلقة الظاهر فوق كل شيء ، له مطلق العلو والفوقية ، وليس كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه بائن من خلقه ، ليس في خلقه شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وقد ذكر ابن تيمية أن الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين اتفقوا على أن قوله تعالى :(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [الحديد:4] ، ليس معناه أنه مختلط بالمخلوقات وحال فيها ، ولا أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه وتعالى على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته ، فالله سبحانه مع العبد أينما كان ، يسمع كلامه ويرى أفعاله ويعلم سره ونجواه ، رقيب على خلقه مهيمن عليهم ، وقال ابن منده : ( هو سبحانه وتعالى موصوف غير مجهول وموجود غير مدرك ، ومرئي غير محاط به ، لقربه كأنك تراه ، وهو يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى ، وعلى العرش استوى ، فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه وهو بكل شيء محيط) ، ومن معاني المبين أيضا الغني عن العالمين الذي لا يفتقر لأحد من خلقه.
والمبين سبحانه هو الذي أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينهم بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، قال تعالى :(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) [ طه:134] ، وقد خاطب المبين عباده بكل أنواع البيان ، وأقام حجته بكل أنواع البرهان ، قال تعالى :(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) [إبراهيم:4] ، قال البيهقي : ( المبين له معان منها أنه بين لذوي العقول ، ومنها أن الفضل يقع به ، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ، ومنها أن الهداية به).
(36) القوي :
القوي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوِيَ وتَقوَّى فهو قوي ، يقال قوَّى الله ضعفك أَي أَبدَلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف والوهن والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي والقدرة على الفعل وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لموسى عن الأَلواح :(فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ )[الأعراف:145] ، أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك ، وقال ليحي: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة)[مريم:12] ، أَي بِجِد وعَوْن من الله تعالى.
والقوي سبحانه هو الموصوف بالقوة ، وصاحب القدرة المطلقة ، لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو القوي في بطشه القادر على إتمام فعله ، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته ، والقوي سبحانه قوي في ذاته لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله كما قال :(وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:40] ، والقوي سبحانه هو الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال :(كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة:21] ، فالقوي هو الكامل القدرة على الشيء الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحول الموصوف بالقوة المطلقة ، قال تعالى : (ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:74].