بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا فوز من عسّله الله
خلق الله الخلق لعبادته وطاعته ومحبته(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)والله يرضى من عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له ويغضب على كفرهم به وإشراكهم بغيره (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)
والإيمان أعظم النعم وأجلها (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وإن المؤمن في هذه الدنيا،وقد من الله عليه بالإيمان يخشى على نفسه من الفتن والزيغ بعد الهدى،والانحراف بعد الاستقامة،لا سيما وإن عدو الله إبليس بالمرصاد فهو عدوه وعدو أبيه قبله(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
فالمؤمن يلتمس رضا الله وهدى الله له،ويبحث عن أسباب الهداية،لكي يقوم بها رجاء أن يوفق للاستقامة على الهدى وأن يلقى الله على أحسن حال،
وقد جعل الله للهداية أسباب فمنها، توفيق الله للعبد للهدى والاستقامة على الخير،فمن توفيق الله للعبد أن يمنحه الأعمال الصالحة ويعينه عليها سواء أعمالاً بدنية كالصلاة والصوم والزكاة والحج،ويوفقه للأقوال الطيبة والأعمال الصالحة (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
من إكرام الله تعالى وتوفيقه إلهامه العبد من عباده التزود من الطاعات وأعمال الخير قبل موته ووفاته،
وذلك من علامات حسن الخاتمة، أن يوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة،
وما يدل على هذا المعنى،الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أراد الله عز وجل،بعبد خيراً عسله)قيل وما عسله،يا رسول الله،قال،يفتح الله له عملاً صالحاً قبل موته،ثم يقبضه عليه)
مسند الإمام أحمد،وصححه الألباني،
عن أنس،قال،قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(إِذا أراد اللّه بِعبد خيراً استعمله،قالوا،وكيف يستعمله،قال،يوفقه،لِعَمَلٍ صَالِحٍ قبل موته)مسند الإمام أحمد،على شرط الشيخين،البخاري،ومسلم،
سأل صلى الله عليه وسلم،أي الناس خير،قال(من طال عمره وحسن عمله)وسأل أي الناس شر قال(من طال عمره وساء عمله)
ومن توفيق الله للعبد أن يرزقه علماً نافعاً يهتدي به الخير، ويتخلص به من ظلمات الجهل والظلال فإن العلم النافع سبب لخشية الله(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)والله جل وعلا ميز العلماء عن غيرهم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)
وفي الحديث(من يرد الله به خير يفقهه في الدين)
ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للتوبة النصوح،من ذنوب بينه وبين ربه من إخلال بواجب أو ارتكاب لمحرم ويتخلص من مظالم العباد فيرد الحقوق إلى أهلها ويبرئ ذمته من التبعات من مال،
ومن توفيق الله له حسن أخلاقه ولين جانبه وبعده عن سيء الأخلاق، ومحافظته على الصلوات الخمس واهتمامه بها،
ومن أسباب الهداية، معرفة الحق،والبعد عن الهوى، فمن عرف الحق وعمل به وابتعد عن الهوى وطبق شرع الله فذلك الموفق بالهداية،وتقواه في قلبه وجوارحه، عيداً عن العجب والكبر والغل والحسد الذي يوجب له عذاب الله فيكون قلبه نقياً لا يحمل غلاً على مسلم،وأن يمنحه البعد عن جلساء السوء ودعاة الفتنة والفساد ونشر الفوضى فيكون حذراً منهم إلا أن يرجوا أن يصلح شأنهم ويبعدهم عما هم فيه وإلا فالبعد عن هؤلاء أولى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
وإخلاص الدين له وتوحيد الله بكل أنواع العبادة من دعاء ورجاء وخوف واستغاثة واستجابة ورغبة ورهبة وإنابة، ليكون قلبه متعلقاً بالله حباً وخوفاً ورجاء،
وأن يرزقه الكسب الحلال فتكون مكاسبه طيبة خالية من الحرام مكاسب نافعة فيها قوة القلب والبدن مال طيب طاهر يعلم مدخله ومخرجه الطريق الذي جاء منه طريق طيب والطريق الذي أنفق فيه طريق طيب لأنه يعلم أنه مسئول عن هذا المال ما مصدره وما طرق إنفاقه فتكون مكاسبه مكاسب طيبة خالية من الحرام من ربا ورشوة،
بل مكاسبه مكاسب طيبة يعلم أن الله سيحاسبه عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فهو يحاسب نفسه في هذه الدنيا،
إن المؤمن يستعين بالله ويلجأ إليه أن يثبت قلبه على الحق وألا يزيغه بعد الهدى وأن يبتعد عن محارم الله وأن يطبق أوامر الله ويبتعد عن خلق الكبر والتعاظم والإعجاب بالنفس فإن الكبر بلاء لما قال النبي صلى الله عليه وسلم(لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر،قالوا،يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسن قال،إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغبط الناس،فالكبر رد الحق فالمتكبر إذا نوقش في خطأ وقع منه تكبر فلم يقبل إذا كتب كتابة سيئة ونوقش فيها تكبر أن يقول إني مخطئ وأصر ودافع عن باطله،ولم يقبل الحق ولم يرجع إليه هكذا المغرور بنفسه يظلم الناس ويتعدى عليهم،
والمؤمن بخلاف ذلك،الحق هدفه إن نبّه حمد الله على أن أنقذ من الجهل ورد إلى الصواب فإن غايته معرفة الحق والعمل به وإن جاءه من يرشده وينبه ويوقظه من غفلته ويدله على ما أخطأ فيه حمد الله وأثنى عليه وعلم أنها نعمة من الله أنعم عليه حيث لم يصر على الباطل ولم يتمادى في الطغيان،وأن يكون المسلم دائم السعي للخاتمة الطيبة، لأنه لا يعرف متى تقبض روحه،فما زال الباب مفتوحاً،لا تؤجل ولا تسوِّف إن أردت الفلاح وأردت تعسيل الله لك، فلا تركن إلى التسويف والأمل حتى يسبقه الأجل،
فيا فوز من عسله الله، ويا حسرة من كان كالحنظلة مرة المذاق كريهة الرائحة، فالحرص الحرص على تعسيل العبد لأعماله حتى يعسله الله،
اللهم عسِّل أعمالنا،وافتح لنا عملاً صالحا قبل الممات، وارض عنا يا رب العالمين.
