المؤمن والعام الهجري الجديد
الشيخ الدكتور محمد بن حسن المريخي في توديع عام مضى واستقبال عام غيره يقف المؤمن الفطن وقفة تفكر واعتبار يتفكر في تصرم هذه الأيام وانقضاء الأوقات وشروق الشمس وغروبها وإقبال النهار ويعقبه الليل وهذه الأهلة التي تولد صغيرة ثم تكبر شيئا فشيئا حتى تكون بدراً ثم تبدأ في الضمور والنقص حتى تتوارى عن الأنظار، أعوام تبدأ وأخرى تنقضي وأيام تذهب وأخرى تقبل وأنفس تولد وأخرى تموت قد أنهت أجلها واستكملت أعمارها.وأضاف في خطبة الجمعة أمس: في هذه الأثناء يستيقن الفطن أن مثل هذه الحياة لابد أن تصل إلى نهايتها وختام أجلها، وهي حقيقة بينة لا تخفى على أحد وإنما تحجبها غيوم الغفلة وغرور الدنيا وتصرف عنها صوارف الأماني وخدع الأمل والظنون. إن إدراك هذه الحقيقة منة
من الله تعالى، حيث سيبذل المرء للتزود لما بعد الموت من العمل الصالح الذي هو رصيد المرء في آخرته بعد رحمة الله تعالى (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) وإن إدراك هذه المنة ليحمل المرء على النظر فيما قدم لنفسه طيلة أيامه في عامه المنصرم محاسبا نفسه مستصلحا لما فسد من أمره متداركا ما فرط فيه مقيما لما أعوج منه مستمسكا بالحق حافظا نفسه من مزالق الدنيا.
التوفيق من الله ◄ مع بداية الأعوام تتجدد الآمال ويستبشر الناس ويتفاءلون بفضل الله وخيره
وبركاته واليوم تدخل الأمة الإسلامية عاما هجريا جديدا نسأل الله أن يكتب لنا ولاخواننا المسلمين النصر والتمكين في الأرض والنصر على الأعداء. وخير ما يأمله المسلم في بداية عامه الجديد هو أن يوفقه الله تعالى لتوبة نصوح وثبات على دينه ذلكم أن الثبات على الملة الحنيفية هو غاية المسلم وكان رسول الله كثيرا ما يسأل ربه جل وعلا الثبات على دينه مع عصمته صلى الله عليه وسلم وحفظ الله له وتأييده. قول صلى الله عليه وسلم: إن قلوب بني
آدم كلها بين اصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه، حيث يشاء، ثم قال: اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا على طاعتك.. رواه مسلم. ويتأكد سؤال الثبات على دينه القويم ومنهجه المستقيم، خاصة في هذا الزمان لأنه زمان تحول وتغير وفتن وغرور وظهور كثير من الناس قد غلبت عليهم الشهوات والدنيا ونسيان الآخرة وكان رسول الله يستعيذ من أربع في صلاته منها: فتنة المحيا والممات، وفتن المحيا والممات تكثر فيالزمان المتأخر من عمر الدنيا، فيحتاج الأمر إلى دعاء المولى جل وعلا، وأخذ الحيطة
والحذر من الزلة والانتكاس. كما يحتاج العبد المؤمن مع بداية عامه الجديد إلى فتح صفحة جديدة مع الله تعالى يعاهده فيها على طاعته ومحبته وهجران معصيته، وهذا شأن المؤمن
الحريص الموفق، يحاسب نفسه ويعتبر ويتعظ ولا يزيده مرور الأعوام والأيام إلا مراقبة لله واعتذاراً واستغفاراً. إن أعظم عون بعد الله تعالى على النظر فيما يعود على المرء بالمحاسبة والمراقبة هو التوبة من الذنوب والتفكر ومخاطبة النفس وسؤالها: إلى متى العصيان
والشرود عن الله؟ ماذا جنى المرء من المعاصي؟ وأي المراتب بلغ بمعاصيه؟ وأي المنازل والأهداف وصلها في البعد عن الدين الحق؟ وسوف يأتيه الجواب: لم يبلغ منزلة ولا غاية ولم يجن من المعاصي والشرود عن الله سوى الذلة والهوان والسخط بالاضافة إلى الأمراض وتكدير الحياة والضيق وقلة الرزق (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره
يوم القيامة أعمى) فالتوبة النصوح خير ما يوفق له العبد في بداية العام (وتوبوا إلى
الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). ففي الشباب الصحة والغنى والفراغ من الشواغل قوة وعزيمة ونشاط وتفرغ وكمال وتوجه إلى كل خير، وفي ضد ذلك من الهدم والضعف والفتور وضيق الصدر وثقل الأعمال وكثرة المطالب ما يحول بين المرء والعمل ويعقب من الندامة والحسرة مما يكدر عيشه وينغص حياته وإن العاقل اليقظ الذي يستيقظ من نومه ويفيق من
سكرته ويمنع نفسه من البطالة والجهالة ويقيمها ولا يكون كالغافلين الذين جاءهم الموت وهم عبيد الدنيا وخدم المناهج المشرقة والمغربة وسدنة الأحزاب والفرق والجماعات واتباع الشعارات الخاوية والرايات الخاسرة (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون).
خير الاستقبال ◄ إن خير ما يستقبل به العام الجديد أن يبدأه المؤمن بالطاعات والقربات والبعد
عن المعاصي ويعمل على موافقة الوحي والرضا بما رضي الله عنه وبغض ما يبغضه الله ورسوله من القول والعمل
والمعتقد. ومن العمل الصالح الملاقي لكم في هذه الأيام صيام المحرم الذي هو من أفضل
الصيام بعد رمضان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأكد أن أيام المحرم صوم يوم
عاشوراء كما دلنا عليه نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم: صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم، فليكن المسلم عبدا لله جل وعلا مستسلما له يفتتح أيامه وأعوامه بطاعة مولاه كما يختمها بالطاعة فما أحوج العبد للطاعة يرفعه الله تعالى بها ويحط عنه سيئاته ويحفظه ببركتها ويوفقه ويسدده. حال الأمة ◄ لا يخفى عليكم حال الأمة وتكالب الأعداء عليها واستضعافها وتكبيلها حتى بدت خير الأمم لا مقام لها ولا حول ولا قوة، ولكن ثقوا بوعد الله ورسوله في نصرة الأمة إذا نصرت ربها جل وعلا واعتمدت
دينه وشريعته منهاجا لها في كل أمورها. إن الأمة وجدت لتكون غالبة ظاهرة على
كل الأمم وهي كذلك إن شاء الله ولن يطول حالها فلابد أن تنهض كما كانت وتقود الأمم وهي عزيزة بإذن الله ولا حقيقة لما يروجه الأعداء والمرجفون ومن خارت عزائمهم من أبنائها، فلن تستطيع قوة أن تبدل ما أراده الله تعالى وقد أراد جل وعلا الرفعة للأمة ولن يجد عدوها إلا الانكسار والذل، وإن للحق مباغتة يباغت الباطل، فإذا هو زاهق مندحر، فثقوا في أمة الإسلام
ووعد ربكم وخير رسولكم، (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم
في الأرض كما استخلف الذين من قبلكم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون). إن على المسلمين أن يستمسكوا بالإسلام ولا يلتفتوا إلى المغرضين والمرجفين والضعاف الذين هزلت عقيدتهم وليبشروا بما وعد الله تعالى. عبرة الأعوام ◄ هذا عام هجري مضى من أعماركم وها
أنتم استقبلتم عاما آخر فليكن مرور الأيام وانقضاء الأعوام خير باعث لكم على الاعتبار والأدكار بتذكر انتهاء الآجال وانقضاء الأعمار والإحسان إلى أنفسكم بمحاسبتها وتقويمها وحفظها ومنعها عن التردي واحذروا من مشابهة من حذر الله منهم ممن قست قلوبهم وطال بهم
الأمد فلم يعتبروا ولم يتعظوا
منقول جريدة الشرق
