بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقوق الجار
ففي هذا الزمن تباعد الجيران بعضهم عن بعض فأصبحت تمر الشهور بل السنوات ولا يعرف الواحد منا جاره وأحواله،
قال الله تعالى(وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا)
قال ابن القيم رحمه الله(وكل مَن ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافرا)
وروى جابر بن عَبْدِ الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(الجِيرانُ ثَلاثَة،جَارٌ لهُ حَقٌ وَاحِدٌ،وَهُوَ أَدْنَى الجيرانِ حقاً،وجار له حقَّان، وجَارٌ له ثلاثةُ حُقُوقٍ، وَهُوَ أفضلُ الجيرانِ حقا)
فأما الذي له حق واحد فجار مُشْرِكٌ لا رَحمَ لَهُ،لَهُ حق الجَوار
وأمَّا الَّذِي لَهُ حقانِ فَجَارٌ مُسْلِمٌ،له حق الإسلام وحق الْجِوارِ
وأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلاثةُ حُقُوقٍ، فَجَارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ لَهُ حق الجوار وحق الإسلام وحَقُّ الرحِمِ)
قال الحافظ ابن حجر،واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد وله مراتب بعضها أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها،كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله،
وفي الصحيح،عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال(من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم جَارَهُ)رواه مسلم،
وقال النبي(من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)
قال القاضي عياض رحمه الله(معنى الحديث إن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وضيفه وبرهما وكل ذلك تعريف بحق الجار وحث على حفظه،
ومن لوازم الإكرام والإحسان ترك أذية الجار،فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال،قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)
فهنا رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ترك أذية الجار وعدها من أمارات صدق الإيمان
ومن أعظم صور الإيذاء إيذاء الجار في أهله أو ماله،
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال،سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الزنى قالوا،حرام حرمه الله ورسوله،فقال (لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره)
وسألهم عن السرقة،قالوا(حرام حرمها الله عز وجل ورسوله فقال (لأن يسرق من عشرة أهل أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره)
وكانت العرب تفتخر بحماية الجار وأمنه،
ومن لوازم ذلك غض البصر وعدم الاطلاع على عورات الجيران من نوافذ وغيرها.
وقال حاتم الطائي(ناري ونار الجار واحدة،،،وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جاراً لي أجاوره،،،أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت،،،حتى تواري جارتي الجدر،بل من الإحسان إلى الجار ترك أذيتة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن)قيل ومن يا رسول الله،قال(الذي لا يأمن جاره بوائقه)
وعن أبى هريرة أن رسول اللَّه،صلى الله عليه وسلم،قال(لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) قال البغوي(بوائقه، أي،داهيةٌ،
قال القرطبي( فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مضرا لجاره كاشفا لعوراته حريصا على إنزال البوائق به كان ذلك منه دليلا على فساد اعتقاد ونفاق فيكون كافرا ولا شك أنه لا يدخل الجنة وأما على امتهانه بما عظم الله من حرمة الجار ومن تأكيد عهد الجوار فيكون فاسقا فسقا عظيما ومرتكب كبيرة يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم له بالكفر فإن المعاصي بريد الكفر فيكون من الصنف الأول فإن سلم من ذلك ومات بلا توبة فأمره إلى الله وقد كانوا في الجاهلية يبالغون في رعايته وحفظ حقه،
أما المحسن للجار فكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (أحسن إلى جارك تكن مؤمناً)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال،قال رجل يا رسول اللّه إن فلانة يذكر من كثرة صلاتِها وصِيامها وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانها،قال(هي في النار)قال،يا رسول اللّه فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدق بالأثوار،من الأقط ولا تؤذي جيرانَها بلسانهَا،قَال(هي في الجنة)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال،جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ،ثلاث مرات(اصبر)
ثم قال له في الرابعة أو الثالثة(اطرح متاعك في الطريق)ففعل قال،فجعل الناس يمرون به ويقولون،ما لك،فيقول،آذاه جاره فجعلوا يقولون،لعنه الله فجاءه جاره فقال،رد متاعك لا والله لا أوذيك أبدا،