إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنما الأعمال بالنيات،وإنما لكل امرئ ما نوى
وهو الذي إذا صلح صلح الجسد كله،وإذا فسد فسد الجسد كله، كما أخبر بذلك النبي
وهو محل معرفة الله ومحبته وخشيته وخوفه ورجائه، ومحل النية التي بها تصلح الأعمال وتقبل أو ترد وتبطل،قال (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)
إن القلب هو أشرف أعضاء الإنسان وهو الذي إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله وهو محل نظر الله سبحانه وتعالى وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه لا نجاة يوم القيامة لأحد إلا لصاحب القلب السليم ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)
قال الإمام ابن القيم،فأشرف ما في الإنسان قلبه،فهو العالم بالله الساعي إليه والمحب له، وهو محل الإيمان والعرفان، وهو المخاطب المبعوث إليه الرسل، المخصوص بأشرف العطايا من الإيمان والعقل،
وإنما الجوارح أتباع للقلب، يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعية،فسبحان مقلب القلوب،ومودعها ما يشاء من أسرار الغيوب،الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته ودينه،مصرف القلوب كيف يشاء، أوحى إلى قلوب الأولياء أن أقبلي إلي، فبادرت وقامت بين يدي رب العالمين،وكره عز وجل انبعاث آخرين فثبطهم، وقيل،اقعدوا مع القاعدين،
كانت أكثر دعاء رسول الله(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله،وإذا تأملت حال القلب مع الملك والشيطان،رأيت أعجب العجاب، فهذا يلمّ به مرة، وهذا يلم به مرة، فإذا ألَمّ به الملك حدث من لمته الانفساح والانشراح والنور والرحمة والإخلاص والإنابة ومحبة الله وإيثاره على ما سواه، وقصر الأمل والتجافي عن دار الغرور، فلو دامت له تلك الحال لكان في أهنأ عيش وألذه وأطيبه، لكن تأتيه لمة الشيطان، فتحدث له من الضيق والظلمة والهم والغم والخوف والسخط على المقدور، والشك في الحق والحرص على الدنيا وعاجلها والغفلة عن الله ما هو من أعظم عذاب القلب،
إن القلوب تقسو، فتكون كالحجارة أو أشد قسوة، فتبعد عن الله وعن رحمته وعن طاعته، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، الذي لا ينتفع بتذكير، ولا يلين لموعظة، ولا يفقه مقالة، فيصبح صاحبه يحمل في صدره حجرًا صلدًا لا فائدة منه، ولا يصدر منه إلا الشر،
ومن القلوب ما يلين ويخشع ويخضع لخالقه ويفقه ويقرب من الله ومن رحمته وطاعته، فيحمل صاحبه قلبًا طيبًا رحيمًا يصدر منه الخير دائمًا،
ولقسوة القلوب أو لينها أسباب يتعاطاها العبد،فمن أعظم أسباب تليين القلوب قراءة القرآن واستماعه،
قال تعالى،إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد،
وقال تعالى،فذكر بالقرآن من يخاف وعيد،
وقال تعالى،ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم،
ففي هذه الآيات الكريمة أن القرآن العظيم أعظم ما يلين القلوب لمن أقبل على تلاوته واستماعه بتدبر،
كما قال تعالى(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله)
وأنه يجب على المسلمين الإقبال على كتاب ربهم تلاوة وتدبرًا وعملاً، حتى تحصل لهم الهداية وحياة القلوب،ولا تشبهوا بأهل الكتاب الذين حملوا التوراة والإنجيل فأعرضوا عنهما، فقست قلوبهم بسبب ذلك، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم لوعد ولا لوعيد،
ومن أعظم ما يلين القلوب،تذكر الموت وزوال الدنيا والانتقال إلى الدار الآخرة،ومن أعظم ما يقسي القلوب الغفلة عن الآخرة ونسيان الموت والانشغال بالدنيا،
قال تعالى(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)
وقال عليه الصلاة والسلام(أكثروا من ذكر هادم اللذات: الموت)
وقال تعالى(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون)
ومن أعظم ما يلين القلوب، الإكثار من ذكر الله عز وجل،
ومن أعظم ما يقسيها الغفلة عن ذكر الله،قال تعالى(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم،
ومن أعظم ما يلين القلوب، قبول أوامر الله والعمل بها، واجتناب نواهيه،
ومن أعظم ما يقسي القلوب، الإعراض عن أوامر الله ونواهيه
ومن أعظم ما يلين القلوب، قبول أوامر الله والعمل بها، واجتناب نواهيه،
قال تعالى(وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم)
فقبول الحق والعمل به سبب لهداية القلب وإيمانه، ورد الحق وترك العمل به سبب لزيغ القلب وطغيانه،
قال الله تعالى(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين)
ومن أسباب لين القلوب واتعاظها، التفكر والنظر في أحوال المرضى والفقراء والمبتلين،
ومن أسباب قسوتها،الاغترار بالصحة والقوة والغنى والثروة،
قال النبي عليه الصلاة والسلام(انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)
فلو زار الإنسان المستشفى، ورأى أحوال المرضى وما يقاسونه من الآلام، ولو نظر إلى الفقراء والأيتام، وما هم فيه من الحاجة والمجاعة، لعرف قدر نعمة الله عليه ولان قلبه، لكن حينما يصرف النظر عن ذلك، وينظر إلى أهل الترف والغنى، وما بأيديهم من زهرة الحياة الدنيا، فإنه يقسو قلبه ويتعاظم في نفسه،
وقد أمر الله نبيه،أن يجالس فقراء المسلمين والمستضعفين من المؤمنين، وأن لا يتجاوزهم إلى أصحاب الثراء والغفلة،وخذوا بالأسباب التي تحيا بها القلوب قبل أن تقسو وتموت،فإن ذلك هو مناط سعادتكم أو شقائكم،فاحذروا،من الانشغال بالدنيا، والانخداع بمظاهرها،وبملذاتها،وارتياد المساجد والجلوس فيها،وصرف أكثر الوقت في طلب الدنيا، والتمتع بها،
ومن ذلك استماع الموسيقى والمعازف والأغاني، التي كثر ترويجها والدعاية لها بين المسلمين، وهي أصوات محرمة، تنبت النفاق في القلب، وتزرع الشهوة في النفس، وتمنع من سماع القرآن؛ لأنه لا يجتمع الاستماع لقرآن الشيطان، وقرآن الرحمن،ومما يقسي القلب كثرة المزاح والضحك والمرح والهزل، فيجب على المسلم أن يتنبه لهذه الأمور،
ومن الأمور التي تقسي القلب المآكل والمشارب المحرمة، لأن تغذيتها خبيثة،وآثارها سيئة، تؤثر على الأخلاق والسلوك، وتكسل عن الطاعة، وتنشط على المعصية، وهذا ظاهر على أخلاق الذين يأكلون الربا والرشوة،فإن آثار هذه الخبائث تظهر على أبدانهم وأخلاقهم وتصرفاتهم، والمعاصي عمومًا تقسي القلب وتعميه، وتحجب عنه نور الإيمان والهداية،
قال تعالى(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)
وفي المسند وجامع الترمذي عن أبي هريرة قال،قال رسول الله(إن المؤمن إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه)
فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)حديث صحيح للترمذي،
ومن الأمور التي تقسي القلب مصاحبة الأشرار والعصاة ومخالطتهم، فإن المرء من جليسه،وعن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه(ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)
وقد شبه النبي جليس السوء بنافخ الكير لا بد أن ينال مُجالِسُه منه من الضرر ما يناله،
أخرج البخاري،ومسلم،عن النبي عليه السلام،قال(مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير،فحامل المسك إما أن يحذيك،وإما أن تجد منه ريحًا طيبة،ونافخ الكير،إما أن يحرق ثيابك،وإما أن تجد ريحًا خبيثة)
اللهم، أصلح نوايانا، وأجعل قلوبنا نقية تقية، هنية، مؤمنة وارزقها الإخلاص لك في عھل قول وعمل، ونقها من شوائب الدنيا واجعلها تسمو بحبك يارب العالمين،