بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قوة الصلة بالله
إن الله،جل وعلا،أكرمنا بالإيمان،وأعزنا بالإسلام،فإذا عظُم الخطب،واشتد الكرب فلا نجاة إلا من الله،سبحانه وتعالى(ولقد نادنا نوح فلنعم المجيبون)
(ولقد مننا على موسى وهارون،ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم)
(وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير،وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)
إذا توالى الهم،وتتابع الغم، فلا فارج له إلا الله(وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين،فاستجبنا له وكشفنا ما به من غم وكذلك نُنجي المؤمنين)
وإذا جاءت النقمة،أو حلت الفتنة فلا صارف لها إلا الله(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم)
كلما عظمت الخطوب،أو تزايدت الكروب،فلا ملجأ إلا اللهففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين
الصلة بالله،سبحانه وتعالى،تعلقاً به،ويقيناً بموعوده،وأملاً في نصره،ورضاءً بقضائه، ومحبة في ثوابه،وخوفاً من عقابه،وتوكلاً على قوته،ذلك هو المعوّل عليه في كل خطب،وكل كرب،تضرع إلى الله،واستمساك بمنهج الله،وطلب ومناجاة ودعاء لله(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وينادينا الحق،سبحانه وتعالى(وقال ربكم ادعوني استجب لكم)
ويخبرنا جل وعلا بتحقق المراد،إذا تم اللجوء إليه والتضرع والتذلل بين يديه(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم)يتنزل النصر من الله ، ويكون الثبات سكينة من الله في النفوس،ويكون اليقين صارف للخوف والجزع،واليقين بالله،سبحانه وتعالى،وليس شيء غير ذلك،لا التجاء إلى أسباب الكثرة العددية،إنما اللجوء إلى رب البرية،
سبحانه وتعالى،
كل شيء يستند فيه إلى غير الله،فإنه إلى ضياع وخراب ، وكل اعتماد وتوكل على غير الله
،فإنه إلى هزيمة وضياع،وإن المرء المؤمن يرى ويقرأ ويوقن ويعتقد،وهو يتلو آيات القرآن،أن ذلك حق لا مرية فيه،
الله جل وعلا،قد بيّن لنا وفصّل أن كل التجاء إلى غيره،واعتماد على سواه لا تكون نتيجته طيبة،ولا تحمد عقباه،فقال،سبحانه وتعالى(أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه)
مهما اجتمعوا،ومهما كثروا،عظموا،كلهم من دون الله تدل على ضعفهم،لأن الله،سبحانه وتعالى،قال(أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه)
(ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد ي الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام)
ومن يلجأ إلى الله،عز وجل،وهو كافٍ عباده،وهو حسبهم،سبحانه،وهو وكيلهم جل وعلا،
هكذا كان النبي،صلى الله عليه وسلم،كلما مررنا بسيرته،رأينا صدق اعتماده وتوكله على الله وعظيم تضرعه والتجائه إلى مولاه،
وهو يناديه في تضرع خاشع(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس،أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلا من تكلني،إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري،إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي) فينزاح الهم والكرب،ويزول الحزن،ويقوى اليقين،ويعظم الإيمان، وتنقشع الغمة،وتعلو العزيمة ، ويكون المرء مع كل ضعفه المادي،أعظم قوة من كل قوى الأرض بإذن الله،
فالتجئوا إلى الله،سبحانه وتعالى،علقوا به القلوب،أخلصوا له التوجه والقصد،فرغوا قلوبكم ونفوسكم من كل اعتماد أو توكل على غيره(وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون)
لابد من توبة صادقة،وإنابة مخلصة،والتجاء حقيقي مخلص لله،سبحانه وتعالى(ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير)
ولنكن حقيقة على مقتضى الإيمان في الارتباط بالله ، والتخلي عن كل ما سواه(والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد)
إنما البشرى لمن يكون راجعٌ إلى ربه ومولاه،واثقٌ بنصره وتفريجه لهمه وكربه،بإذن الله و في الصحيحين،أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم،كان يقول عند الكرب( لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم )
وفي حديث أسماء بنت عميس، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،خاطبها فقال،ألا أعلمكِ كلمات تقوليهن عند الكرب،قالت،بلى يا رسول الله ، فقال لها،قولي(الله ربي ولا أشرك به شيئاً)رواه أبي داود.
الأقوال والأدعية المأثورة عن رسول الله،صلى الله عليه وسلم،بيّن،لأن الالتجاء إنما يكون للملتجئ الحقيقي النافع،وهو الله،سبحانه وتعالى، فهو،جل وعلا،العظيم الحليم،وهو رب العرش العظيم،وهو رب السماوات والأرض ، هو الذي بيده كل شيء،وهو التي تنفذ مشيئته في كل شيء،وهو الذي تنتصر قدرته على كل شيء،سبحانه وتعالى،
لذلك ينبغي لنا صدق التجائنا إلى ربنا،إلا بصدق اليقين بالله،سبحانه وتعالى،والإيمان به،جل وعلا،والإيمان بقضائه وقدره،ثم الرضا والتسليم لما يجري به قضاءه وقدره،جل وعلا،والنصر من عند الله ،
قال،ابن عباس في الحديث المشهور العظيم،مستنداً إلى اليقين بالله سبحانه وتعالى( يا بني إني أعلمك كلمات،احفظ الله يحفظك،تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة،واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء،لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك،وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)
وفي رواية لهذا الحديث ( وأعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك )
قال ابن القيم رحمه الله تعالى(من ملأ قلبه من الرضا بالقدر،ملأ الله صدره غِنىً وأمناً وقناعة،وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه،والتوكل عليه ،ومن فاته حظه من الرضا امتلأ قلبه بضد ذلك،واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه)
قال بعض الصالحين،ارض عن الله في جميع ما يفعله بك،فإنه ما منعك إلا ليعطيك،ولا ابتلاك إلا ليعافيك،ولا أمرضك إلا ليشفيك،ولا أماتك إلا ليحييك،فإياك أن تفارق الرضا عنه فتسقط من عينه)
ولا يكون نوع من الثبات ، ولا ظهور للشجاعة ، ولا بروز للحمية ، إلا إذا ملأ الإيمان القلب وانسكب اليقين في النفس وكان الرضا بقضاء الله وقدره والإيمان به عظيماً فإن ذلك هو أعظم قوة لا يكون معها خوف ولا يخالطها جبن بحال من الأحوال ،
قال ابن القيم،رحمه الله،الذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله،فمن سلّم لله واستسلم له،وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه،وما أخطأه لم يكن ليصيبه،وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له،لم يبقى لخوف المخلوقين في قلبه موضع،فإن نفسه التي يخاف عليها سلّمها إلى وليّها ومولاها،وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها،وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها،
لذلك ينبغي أن نؤكد لأنفسنا من واقعنا المعاصر،فضلاً عن ما بين أيدينا من آيات القرآن والسنة أن النصر مع الصبر،وأن الفرج مع اليقين،وأن القوة مع الإيمان وأن العزة مع الإسلام .