السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم القيامة يوم جليل
قال تعالى(يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب)غافر،
يوم القيامة يوم جليل خطبه،عظيم خطره، بل هو اليوم الذي ليس قبله مثله ولا بعده مثله، والكل ظاهر ومكشوف فلا زيف ولا خداع ولا كذب،
جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما(أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده،ثم يقول،أنا المالك، أنا الجبار،أنا المتكبر،أين ملوك الأرض،أين الجبارون،لمن الملك اليوم،لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثم يجيب نفسه لله الواحد القهار)رواه البخاري،
وذلك هو يوم الحساب ويوم الجزاء،
فما الحساب،وما هي صفته،وعلى ماذا يحاسب الله تعالى العباد،وما موقف المسلم،
الحساب اصطلاحاً، هو محكمة العدل الإلهية التي يقضي فيها رب العزة سبحانه بين خلقه وعباده وينبغي أن تعلم أن يوم القيامة،
يوم يجمع الله فيه الأولين، والآخرين للحساب(قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم)(ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه)
يوم تتكشف فيه الحقائق والأستارفالكل مكشوف النفس والعمل والمصير(يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)
يوم يشيب من هوله الوليد، وتذهل الأم الحنون عن طفلها، وتسقط فيه الحامل حملها(ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)
وفي الحديث(ذلك يوم يقول الله لآدم،أخرج بعث النار،قال،يا رب وما بعث النار،قال،من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة)رواه الترمذي،
وأما صفة الحساب، فلا بد لكل محكمة من حاكم يحكم ويقضي، وشهود يشهدون، ومتهم وأرض يقام عليها الحكم.
أما الحاكم، فهو الله جل جلاله، جبار الأرض والسماء، تباركت أسماؤه وعظمت صفاته الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى،
ويبدأ الأمر،بنفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه، فتصعق الخلائق كلها وتموت(ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض)
فينفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه فتقوم الخلائق للحشر، (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)
نزول عرش الرحمن جل جلاله (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية
أي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة،
وفي الحديث(أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)
ثم يشرق على الأرض نور الحق جل جلاله (وأشرقت الأرض بنور ربها)أي،أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء،
ثم مجي الحق سبحانه مجيئا يليق بجلاله وكماله وعظمته، كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا،
وأما صفة حكمه جل جلاله سبحانه،
العدل المطلق، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
فلا ظلم،ولا يظلم ربك أحدا)
ولا أنساب(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)
أي لا تنفع الإنسان يومئذ قرابة ولا يرثي والد لولده،
يقول ابن مسعود (إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد،ألا من كان له مظلمة فليجئ ليأخذ حقه، قال: فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا)
ولا رشوة لتغير صورة الحكم، فالحاكم هو الغني المتعال والكل مفتقر إليه سبحانه(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)
ولا تهديد ولا ضغوط، فالحاكم هو القوي سبحانه(إن القوة لله جميعا)
(إن كل من في السماوات والأرض إلا ءاتي الرحمن عبدا)فالكل ضعيف وعبد،
الشهود، وأما الشهود فهم كثير فلا مكان للإنكار والكذب والمراوغة،
وأعظمهم شهادة هو الله سبحانه الله جل جلاله(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانواالرسل عليهم الصلاة والسلام ويشهد للرسل سيدنا وحبيبنا رسول الله،في الحديث(يدعى نوح يوم القيامة فيقال له،هل بلغت،فيقول،نعم، فيدعى قومه فيقال لهم،هل بلغكم فيقولون،ما أتانا من أحد،فيقال لنوح،من يشهد لك،فيقول،محمد وأمته، ثم أشهد لكم)
رواه البخاري،ومسلم.
الملائكة، يقول الحسن البصري رحمه الله(يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا وقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك)
الجوارح،وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)
وعن أنس قال(كنا عند النبي فضحك فقال،هل تدرون مم أضحك،قلنا،الله ورسوله أعلم قال،من مخاطبة العبد ربه،فيقول،يا رب ألم (تحفظني) من الظلم،يقول،بلى،فيقول،إني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني،فيقول، (كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا)والكرام الكاتبين شهودا،قال،فيختم على فيه ويقول لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول،بعداً لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل)رواه مسلم،
الأرض، (يومئذ تحدث أخبارها)
قرأ رسول الله هذه الآيةقال(أتدرون ما أخبارها؟ قالوا،الله ورسوله أعلم، قال،فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمةٍ بما عمل على ظهرها أن تقول،عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها)رواه أحمد والترمذي،
لقوله تعالى(يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)وتعرض الأعمال عرضا حيا ناطقا، فسيرى المرء عمله وهو يباشره ويا للفضيحة)رواه البخاري،ومسلم،
المتهم،هو الإنسان، الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، وكرّمه على كثير ممن خلق، سخر الكون له، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، وجعل له واعظا من عند نفسه بالفطرة التي فطر الله الناس عليها على معرفته سبحانه وحذره من الشيطان وطاعته ثم يستقبل الإنسان ذلك كله بالسخرية(يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون)
الإنسان الذي إذا أحاطت به الخطوب تذكر ربه وإذا كان في نعمة غفل وكفر(وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)
وأما أرض المحكمة، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)
وللحديث(أرض بيضاء لم يسفك عليها دم،ولم يعمل عليها خطيئة)رواه البزار،
فهي أرض أخرى غير أرضنا لم تطأها قدم من قبل، ولم تعمل عليها خطيئة،ولم يسفك عليها دم، أرض طاهرة من ذنوب بني آدم وظلمهم، طهر يتناسب وطهر القضاء،
فكل عبد يعرض على ربه، ويتولى سبحانه حسابه بنفسه للحديث(ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، ثم ينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمره)رواه البخاري،
والحساب إما أن يكون يسيرا، وذلك بأن يعرض على العبد عمله بحيث لا يطلع عليها أحد ثم يعفو عنه ويأمر به إلى الجنة،
ففي الحديث(يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه (أي يستره ولا يفضحه) فيقول،أعملت كذا وكذا،فيقول،نعم،ويقول،أعملت كذا وكذا فيقول،نعم،فيقرره ثم يقول،إني سترت عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم،ثم يعطى صحيفة حسناته)متفق عليه،
وأما أن يكون الحساب عسيرا،في الحديث(ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك،فقالت عائشة رضي الله عنها،يا رسول الله أليس قد قال الله
(فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا)
فقال رسول الله(إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب)رواه البخاري،
العمر والمال والجسم والعلم،في الحديث(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه)رواه الترمذي،
عن النعم وشكرها(ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)
قال مجاهد،عن كل لذة من لذات الدنيا
وعن الحواس واستعمالها(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)الإسراء،
عن الفرائض من صلاة وزكاة،في الحديث(إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة وآخر ما يبقى الصلاة،وأول ما يحاسب به الصلاة ويقول الله،انظروا في صلاة عبدي،قال،فإن كانت تامة كتب تامة،وإن كانت ناقصة يقول،انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن وجد له تطوع تمت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا،هل زكاته تامة،فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال،انظروا هل له صدقة فإن كانت له صدقة تمت له زكاته)
السؤال عن المسؤولية والأمانة(وقفوهم إنهم مسؤولون)
عن الكلمة،للحديث(وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم)رواه البخاري،
عن الحقوق والمظالم (يقول الله تعالى،أنا الديان،أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة)رواه أحمد،
يقول عمر (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن)
تحلل من الحقوق(من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحللن منها اليوم قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه دينار ولا درهم)رواه البخاري،
لا تفسد عملك الصالح بالمظالم(المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)
رواه البخاري والترمذي،
أمح السيئة بالحسنة( إن الحسنات يذهبن السيئات)
وللحديث(اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)
استشعار رقابة الله عليك(ألم يعلم بأن الله يرى )
إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء بأجسام عظام وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض على الجبار،
ثم تقبل الملائكة فينادون واحدا يا فلان بن فلان هلم إلى الموقف، وعند ذلك ترتعد الفرائص وتضطرب الجوارح وتبهت العقول ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار، فتوهم نفسك يا مسكين وقد أخذت الملائكة بعضديك وأنت واقف بين يدي الله تعالى يسألك شفاها فكيف ترى حياءك وخجلتك وهو يعد عليك إنعامه ومعاصيك وأياديه ومساويك، فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه وبأي لسان تجيب وبأي قلب تعقل وما تقول،
اللهم إنا نسألك ستر الدارين،
اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا والآخرة، يا رب العالمين.