بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسباب الإصابةُ بالعين
إنَّ من حكمة الله تعالى أن يبتليَ عباده من المؤمنين والمؤمنات بأنواع من البلاء،كالأمراض،وإن من أكثر أسباب الأمراض انتشاراً،الإصابة بالعين،
قال ابنُ حجر(العَيْن،نَظَرٌ باستحسانٍ مَشُوبٍ بحَسَدٍ مِنْ خَبيثِ الطَّبْعِ، يَحصُلُ للمَنْظُورِ منهُ ضَرَرٌ)
وقال ابنُ القيِّم(فكُلُّ عائنٍ حاسدٌ، وليسَ كُلُّ حاسدٍ عائناً، فلَمَّا كانَ الحاسدُ أعَمَّ منَ العائنِ كانتِ الاستعاذةُ منهُ استعاذةً منَ العائنِ، وهيَ سِهامٌ تَخْرُجُ مِنْ نفْسِ الحاسِدِ والعائِنِ نحوَ الْمَحْسُودِ والْمَعِينِ تُصيبُهُ تارةً،وتُخْطِئُهُ تارةً، فإنْ صادفَتْهُ مَكْشُوفاً لا وِقايةَ عليهِ أثَّرَتْ فيهِ ولا بُدَّ، وإنْ صادفَتْهُ حَذِراً شاكيَ السِّلاحِ لا مَنْفَذَ فيهِ للسِّهامِ لَمْ تُؤثِّرْ فيهِ، ورُبَّمَا رُدَّتِ السِّهامُ على صاحبها،وقد يَعِينُ الرَّجُلُ نفْسَهُ، وقد يَعِينُ بغيرِ إرادتِهِ بلْ بطَبْعِهِ، وهذا أَردَأُ ما يكونُ مِنَ النَّوْعِ الإنسانيِّ)
وتُسمَّى العين(بالنَّفس، والعائن،نافس،
والمعيون(منفوس)
وفي الحديث(مِنْ شرِّ كُلِّ نفْسٍ أو عَيْنِ حاسدٍ اللهُ يَشفيكَ)
وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم(أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتي بعدَ كتابِ اللهِ وقَضائِهِ وقَدَرِهِ بالأنْفُس)
قالَ البزَّار،يعني،بالعين)رواه مسلم.
وتُطلق النَّظْرةُ على العين، وهي الغشية أو الطائف من الجن، فعن (أُمِّ سَلَمَةَ رضيَ اللهُ عنها،أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَأَى في بيتها جاريةً في وَجْهِها سَفْعَةٌ،أي صُفْرَة،فقالَ(اسْتَرْقُوا لَها فإنَّ بها النَّظْرَةَ) رواه البخاري ومسلم، أي،أصابتها عين.
إن الإصابة بالعين أمرٌ ثابتٌ دلَّ عليه الكتاب والسُّنة،
قال تعالى(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُون)
قال ابنُ كثير(لَيُزْلِقُونَكَ، لَيُنْفِذُونَكَ بأبصارِهِمْ، أيْ،لَيُعِينُونَكَ بأبصارِهِمْ، بمعنى، يَحْسُدُونَكَ لبُغْضِهِمْ إيَّاكَ لولا وِقايةُ اللهِ لكَ وحِمايَتُهُ إيَّاكَ منهم،
وفي هذهِ الآيةِ دليلٌ على أنَّ العَيْنَ إصابَتُها وتأثيرُها حَقٌّ بأمرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، كمَا وَرَدَت بذلكَ الأحاديثُ من طُرُقٍ مُتعدِّدَةٍ كثيرةٍ)
وقال تعالى(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون)يوسف
قال البغوي(وذلكَ أنهُ خافَ عليهِمُ العَيْنَ، لأنهُم كانُوا أُعْطُوا جَمَالاً وقُوَّةً وامْتِدَادَ قامةٍ، وكانوا وَلَدَ رَجُلٍ واحِدٍ، فأَمَرَهُمْ أنْ يَتَفَرَّقُوا في دُخُولِهِم لئلاَّ يُصابُوا بالعَيْنِ، فإنَّ العَيْنَ حَقٌّ)
وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ(لْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شَيْءٌ سابقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ) رواه مسلم.
وقال النوويُّ(فلا يقعُ ضَرَرُ العين ولا غيره من الخيرِ والشرِّ إلاَّ بقدر اللهِ تعالى، وفيهِ صِحَّةُ أمرِ العَيْنِ وأنها قويَّةُ الضَّرَرِ)
وقال ابنُ حجر(العين تسبق القَدَرَ)
الحديث رواه الإمام مسلم،عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(العين حق،ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين)
و(عن أبي سعيدٍ قالَ، كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الجَانِّ وعَيْنِ الإنسِ، فلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتانِ أخَذَ بهِمَا وتَرَكَ ما سِوَى ذلكَ) رواه النسائي وصحَّحه الألباني.
و(عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ، كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ ويقول،إنَّ أباكُمَا كانَ يُعَوِّذُ بها إسماعيلَ وإسحاق(أعُوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّةِ مِنْ كُلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ) رواه البخاري.
قولُه(ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة)
قال القاضي عياض(وهكذا مذهب أهل السنة: أنَّ الْمَعْيُون إنما يَفْسُد ويَهْلَكَ عندَ نَظَرِ العائنِ بعادةٍ أجراها اللهُ سبحانه أنْ يَخْلُقَ الضَّرَر عندَ مُقابلةِ شخصٍ لشخصٍ آخر) انتهى.
ومن آثارِ العَيْنِ المرض(قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ: ما لي أَرَى أَجْسَامَ بَني أَخِي ضَارِعَةً،أي نحيفةً، تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ، قالت،لا،ولَكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهِمْ، قال،ارْقِيهِمْ،قالت،فعرَضت عليهِ، فقال،ارْقِيهِمْ) رواه مسلم.
ومن آثارها: القتل، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم(جُلُّ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتي بعدَ قَضاءِ اللهِ وكتابهِ وقَدَرِهِ بالأنفُس)يَعْني بالعَيْنِ) رواه أبو داود وحسَّنه الألباني،
ومن آثارها،إهلاك الأموال، نسأل الله السلامة والعافية
فما علاجها، قبل وُقوعها،فبالإيمان بالقضاء والقدر، وصدق التوكُّل على الله، والدُّعاء، والمحافظة على الأوراد المأثورة عن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، والمحافظة على الصلاة جماعة، والإكثار من صنائع المعروف، والاحتراز بستر محاسن من يُخاف عليه من العين،
قال ابن عثيمين(والتحرُّز من العين مُقدَّماً لا بأس به، ولا يُنافي التوكُّل بل هو من التوكل)والاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان
،قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ(اسْتَعِينُوا على إنجاحِ الحَوَائِجِ بالكِتْمانِ، فإنَّ كُلَّ ذي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) رواه الطبراني،صحَّحه الألباني،
قال ابنُ كثير مُعلِّقاً على نهي يعقوب ليوسف عليهما السلام عن إخبار إخوته برؤياه(ومِنْ هذا يُؤْخَذُ الأمْرُ بكِتْمَانِ النِّعْمَةِ حتى تُوجَدَ وتَظْهَرَ)
ومنها،التبريك بأنْ يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله،
قال تبارك وتعالى(وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه)
أمَّا علاجها بعد وقوعها(فإمَّا أنْ يُعرف العائن أو لا يُعرف، فإنْ عُرفَ العائنُ فيُؤمر بالاغتسال،
قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ(وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا) رواه مسلم،
و(عن أبي أُمامةَ،أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خَرَجَ، وسارُوا مَعَهُ نحْوَ مكَّةَ، حتى إذا كانوا بشِعْبِ الخَزَّارِ(اغْتَسَلَ سهلُ بنُ حُنيفٍ وكانَ رَجُلاً أبيَضَ،حَسَنَ الجِسْمِ والجِلْدِ، فنَظَرَ إليهِ عامرُ بنُ ربيعَةَ أخو بَني عديِّ بنِ كعبٍ وهوَ يَغتسلُ، فقالَ(ما رأيتُ كاليومِ ولا جِلْدَ مُخبَّأَةٍ، فلُبطَ بسهْلٍ، فأُتيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقيلَ لهُ: يا رسولَ اللهِ هلْ لكَ في سَهْلٍ،واللهِ ما يَرْفَعُ رأْسَهُ وما يُفيقُ، قالَ،هلْ تَتَّهِمُونَ فيهِ منْ أحَد،قالُوا،نظَرَ إليهِ عامِرُ بنُ ربيعةَ، فَدَعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَامِراً،فتغظ عليهِ وقال(عَلامَ يَقْتُلُ أحَدُكُمْ أخاهُ هلاَّ إذا رأيتَ ما يُعْجبُكَ بَرَّكْتَ ثمَّ قالَ له،اغتَسِلْ لهُ، فغَسَلَ وجْهَهُ ويدَيْهِ ومِرْفَقَيْهِ ورُكْبَتَيْهِ وأطرافَ رِجْلَيْهِ وداخِلَةَ إزارِهِ في قَدَحٍ، ثمَّ صُبَّ ذلكَ الْماءُ عليهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ على رأْسِهِ وظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ ورَاءَهُ، فَفَعَلَ بهِ ذلكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ الناسِ ليسَ بهِ بَأْسٌ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه ابنُ حبَّان.
و(عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت(كانَ يُؤْمَرُ العائِنُ فيَتَوَضَّأُ، ثمَّ يَغْتسِلُ منهُ الْمَعِينُ)رواه أبو داود وصحَّحه الألباني.
قال النووي(قالَ العلماء،الاسْتِغْسَالُ أنْ يُقالَ للعائنِ وهوَ الناظرُ بعَيْنِهِ بالاستحسانِ اغْسِلْ داخِلَةَ إزارِكَ مما يَلي الجِلْدَ بماءٍ ثمَّ يُصَبُّ ذلكَ الماءُ على الْمَعِينِ، وهوَ المنظُورُ إليهِ)
وقال الشيخ محمد العثيمين(وهناك طريقة أخرى، ولا مانع منها أيضاً، وهي أن يؤخذ شيء من شعاره، أي،ما يلي جسمه من الثياب، كالثوب والطاقية والسروال وغيرها، أو التراب إذا مشى عليه وهو رَطْبٌ، ويُصبُّ على ذلك ماء يُرشُّ به المصاب أو يشربه، وهو مُجرَّب)
فعَن أنسٍ قال(رخَّصَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ) رواه مسلم
عائشة رضيَ اللهُ عنها(كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْمُرُني أنْ أَسْتَرْقيَ منَ العَيْنِ) رواه مسلم.
قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ(يَدْخُلُ الجنَّةَ من أُمَّتي سَبْعُونَ أَلْفاً بغيرِ حِسابٍ، قالُوا،مَنْ هُمْ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ(هُمُ الذينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولا يَتَطَيَّرُونَ،ولا يَكْتَوُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ(مَنْ اكْتَوَى أو اسْتَرْقَى فقدْ بَرِئَ مِنَ التَّوكُّلِ)رواه الترمذيُّ
فرُقْيَتُكَ لنفسِكَ مشروعةٌ، ورُقيَتُكَ لغيرِكَ فَضْلٌ منكَ وإحسان، وطلبُكَ الرُّقيةَ مكروهٌ قادحٌ في التوكُّلِ، وقدْ رَقَى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ نفْسَه، ورَقَى غيرَهُ، ولم يطلب الرُّقيةَ من أَحَدٍ، وحالُهُ أكملُ الأحوالِ،
احذروا من الخوف الْمُفرِط من العين، الذي يصل بالإنسان إلى درجة الوسوسة والشك، فهذا منهيٌ عنه، لأنه خلَلٌ في العقيدة، وضعفٌ في التوكُّل، ويزداد الأمر سوءاً حينما تُصبح ظاهرة الخوف من العين ظاهرة نفسية واجتماعية، مما سيكون لها آثار نفسية وعضوية على المصابين بها،
ومن أسباب هذا الخوف الْمُفرط، ضعف الإيمان(قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم(إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثوبُ الخَلِقُ، فاسْأَلُوا اللهَ أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلُوبكُم) رواه الحاكم ووثق رواتَه ووافقه الذهبي، ومنها: الوسواس، فوَصَلَ ببعضِ الناسِ أنْ يَجعل كل ما يُصيبه بسبب العين، وهذا من الوسواس،
قال تعالى(لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) ولقد أمر الله بالاستعاذة من الشيطان ووسوسته في سورة الناس، ومنها: ترك الأذكار والأوراد المأثورة في الكتاب والسنة،
ومنها،ضعف التربية، فالخوف المفرط من العين ضعف في التوكل على الله تعالى، وكثرة الكذب، واللجوء إلى السحرة والمشعوذين.
اللهم حصني بحصنك الحصين، وأعزني بعزك، وصلني بحبلك المتين، واكفني شر الأشرار وكيد الفساق والسحار والمردة والمنافقين والمدعين والحاقدين والحاسدين والمغرورين والحاقدين في الليل والنهار.