الميراث هو وصية الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الميراث هو وصية الله تعالى
طمع الأقارب في ميراث المرأة،فكثيرا من أكلة المواريث أصابهم الجشع والطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم أن ذلك سينقص المال والطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها
في كثير من المجتمعات قضية الحرمان أو التحايل على أكل الميراث فكم من امرأة حرمت من ميراثها،ومما يزيد من الألم ويفجع الفؤاد أن يكون الظلم من الإخوة للأخوات،
ولله در الشاعر إذ يقول،
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة،،،،،على النفس من وقع الحسام المهند
لقد حرم الله،عز وجل،الظلم على نفسه، وحرمه على عباده،
قال في الحديث القدسي(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)رواه مسلم
والله،عز وجل،توعد الظالمين بالعذاب فقال تعالى(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)
الميراث هو وصية الله،تعالى،لعباده والذي يتأمل في فرائض الإسلام ليرى أمرا عجيبا فالله تعالى، فرض علينا الصلاة ولم يبن في القران عدد الركعات وتركها لنبيه،صلى الله عليه وسلم،ليبينها لنا عن طريق السنة التي هي المصدر الثاني للتشريع
وكذا الزكاة،أما الميراث فبينه،سبحانه وتعالى،الأنصبة فبين لنا نصيب كل فرد وبين لنا أحوله،
ومن تأمل الآيات الثلاث الواردة في تفصيل الورثة رأى أنها جميعا ختمت بصفة العلم،
ففي الآية الأولى(فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
وفي الآية الثانية(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ)
وفي الآية الثالثة(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
ويقول سبحانه(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
إنه سبحانه يوصي بتقسيم الميراث تقسيمًا إسلاميًّا على منهج القرآن الكريم،وهذا يعني أنه سبحانه وإن كان قد وصَّى بالتوحيد والتقوى،وهما من أعظم أمور الدين،مرة واحدة،
فقد وصَّى بالْتِزام المنهج القرآني عند تقسيم الميراث، فقال(يُوصِيكُمُ)وفي ذلك إشارة واضحة إلى الاهتمام البالغ من القرآن بتقسيم الميراث تقسيمًا شرعيًّا مصدره الوحي المعصوم
إن من عادة كل إنسان أن ينفذ وصية من له مكانة عنده وكلما عَلَت مكانة الموصِي، كان تَنفيذ وصيَّته ألْزَمَ، ولا سيَّما إن كرَّر نفس الوصية وأمَر بتنفيذها،
إن الله،جل في علاه،أعظم من كلِّ عظيم،وأكبر من كلِّ كبير،وأعلى من كلِّ علي،
قال تعالى(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)لذا نقول،إنَّ وصيَّة الله في الميراث أولى أن تنفذ،
إن هناك أسبابا عديدة تجعل الإنسان يأكل الميراث ويتعدى حدود ما أنزل الله تعالى،نذكر من أهمها،
ضعف الإيمان، فآكل الميراث ضعيف الإيمان وإن صلى وصام وقرا القران لأنه تشبه بأعداء الله و قتلت الأنبياء من اليهود عندما قالوا لأنبيائهم كما اخبر الله،تعالى،عنهم(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
فالله تعالى،أمرهم ولكنهم قالوا سمعنا وعصينا، وأنت يا آكل الميراث إن لم تقلها بلسانك فأنت تقولها بأفعالك وجحودك لحقوق الورثة،
طمع الأقارب في ميراث المرأة،فكثيرا من أكلة المواريث أصابهم الجشع والطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم أن ذلك سينقص المال والطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها في الدنيا والآخرة،
عن كعب بن مالك الأنصاري عن النبي،صلى الله عليه وسلم(ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)رواه الترمذي
قال المناوي(فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم،لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما ييضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً)
وقال أبو العباس المرس(الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة، فصاحبه بطن كله لا يشبع أبداً. وأصل الطمع وسببه والدافع إليه التوهم،أي التخيل والحسبان)
التقاليد والعادات القبلية الجاهلية(فبعض الناس عندهم عادات لا يورثون البنات ويجحدوهم حقوقهم فاذا قلت له لماذا لا تورث إخوتك يقول إحنا طلعنا وجدنا آباءنا وأجدادنا لا يورثون البنات،
نقول،هذه عادات أهل الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى،وبين أن التقاليد سبيل الضلال(قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)[الشعراء
وقال تعالى(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)
عقوبات أكل الميراث، إن الأمر ليس باليسير فبعض الناس يظنه هينا وهو عند الله تعالى عسير،
أن أكلك للميراث فيه تعد لحدود الله ،تعالى،وانتهاك لحرماته،
فالله،سبحانه، بعد أن بين الأنصبة قال(فَلاَ تَعْتَدُوهَا)ولا تُجاوزوها،
ولهذا قال(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)أي،فيها، فلم يزِد بعض الورثة،ولَم ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة، بل ترَكهم على حُكم الله وفريضته وقِسمته؛ (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ،وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)
ولا شك أن من منع امرأة،أختاً كانت، أم أماً، أم جدة أم زوجة ميراثها، فقد تعدى حدود الله، وتعرض لعقوبته، والله قد قسم الميراث قسمة عدل لا جور فيها ولا حيف،
أخرج أحمد عن أبي هريرة،قال،قال رسول الله،صلَّى الله عليه وسلَّم(إنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة،فإذا أوْصَى حافَ في وصيَّته، فيُختم له بشرِّ عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيَعدل في وصيَّته، فيُختم له بخير عمله، فيدخل الجنة،
ثم يقول أبو هريرة،اقرؤوا إن شئتم(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)، إلى قوله(عَذَابٌ مُهِينٌ)
فالله تعالى،يجازي أهل الصلة بالصلة في الدنيا والأخرة، ويجازي أهل القطيعة بالقطية في الدنيا والأخرة والجزاء من جنس العمل،
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم،قال(ما من ذنب أجدر أَن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي)
يعني،أنه تحصل له عقوبة في الدنيا والآخرة، فيجمع له بين العقوبة الدنيوية والأخروية،حيث يجعل له الله العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، فيجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والضرر الذي يحصل في الدنيا، والضرر الذي يحصل في الآخرة، وهذا يدل على عظم وخطورة شأن البغي وقطيعة الرحم،
فالجنة هي صلة الله التي جعلها لأهل كرامته ولأهل طاعته؛ فاذا قطع المسلم رحمه حجبه الله من جنته
عَنِ النبِي،صلى اللَّه عليه وسلم،قال(لا يدخل الجنة قاطع رحم)رواه مسلم
ولفظ أبي داود(لا يدخل الجنة قاطع رحم)صلة الله للواصل وقطعه للقاطع والطرد من رحمته،
عن أبي هريرة،عن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(إن الله خلق الخلق حتى إِذا فرغ من خلقه قَالت الرحم،هَذَا مقام العائذ بك من القطيعة،قَال،نعم،أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك،قالت،بلى يا رب،قال،فهو لك)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(فَاقرءوا إن شئتم(فهل عَسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)متفق عليه
فهذا وعد من الله،تبارك وتعالى،أنه يصل من وصل الرحم،فيجب على الإنسان أن يصل أقرباءه كأبيه وعمه وخاله وأخته وعمته وخالته وأبناء أخواته وأبنائه ولا يقطع رحمه،
فالذين أفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامهم أصم الله،عز وجل،آذانهم وأعمى أبصارهم،
عن أبي هريرة،رضي الله عنه،عن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال(ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا،المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال،المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)رواه مسلم،
اعلم أن التعدي على المواريث جرم عظيم وإفك مبين قال الله،تعالى(وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً)
الذين يأكلون الميراث هم الذين وصفهم الله تعالى،بقوله(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)
إن اليتامى مظنة أن يبخسوا في الميراث، فأكل مالهم هنا ظلما هو بخسهم حظهم في الميراث،
(ومن نبت لحمه من حرام فالنار أولى به)
وقوله تعالى(إِنَّمَا يَأْكلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) وهذا تصوير لضرر الأكل عليهم؛ لأنه يكون أكلهم كمن يأكل النار ويضعها في بطنه أي يملأ بطنه بها فهو في ألم دائم حتى يهلك،
قال الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى(مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِين)أخرجه البخاري،
قال صلى الله عليه وسلم(اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَات،قَالُوا،يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا هُن،قَال(الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلات)أخرجه البخاري
اللهم ارزقنا رزقا حسنا، وجنبنا ما حرمت، وأقنعنا بالحلال الطيب، إنك سميع الدعاء.
اللَّهُمَّ إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِن ذريتنا أمة مسْلِمة لّك وَأَرنا مَناسِكنا وَتب علينا إِنكَ أنتَ التَّوابُ الرحِيم)اللهم آمين.