بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن التجمل في حدود المشروع أمر مطلوب،فإن الله،تعالى،جميل يحب الجمال،
والتجمل ،يكون في إصلاح الجسم بأخذ ما شرع أخذه،
وإبقاء ما يشرع إبقاؤه،
فأما ما يشرع أخذه، فقد بينه رسول الله،صلى الله عليه وسلم،في الحديث الذي رواه البخاري،ومسلم،عن أبي هريرة،رضي الله عنه،عن النبي،صلى الله عليه وسلم،أنه قال(خمس من الفطرة، الاستحداد،والختان،وقص الشارب،ونتف الإبط،وتقليم الأظافر)
فأخبر،صلى الله عليه وسلم،إن أخذ هذه الأشياء من الفطرة،أي من السنة التي اختارها الأنبياء،واتفقت عليها الشرائع،
لأن في ترك هذه الأشياء تشويهاً للجسم وتشبهاً بالكفار،
ويُخل بالعبادة،ويسبب أضراراً صحية،
فهذه الأشياء التي يشرع إزالتها،ويحصل التجمل بإزالتها،ولا يشرع تركها لأنها تشوه الجسم،وتجمع الأوساخ،
وأما ما يشرع إبقاؤه، فهو شعر اللحية،ثبت عن النبي،صلى الله عليه وسلم،أنه قال(خالفوا المشركين وأعفوا اللحى)رواه البخاري،
وهذا الحديث يدل على إبقائها،وتحريم حلقها أو قصها،
كما زين الشيطان لبعض النساء فعل ما حرم الشرع عليها،ومن ذلك ما تفعله بعض النساء من نتف شعر حواجبهن،وهو النمص الذي لعن النبي،صلى الله عليه وسلم،
والنمص، أخذ شعر الحاجب وترفيعه،وبزعم أنه من التجمل وهو في الواقع تغيير لخلق الله،وهو مما يأمر به الشيطان كما قال الله تعالى(وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ)النساء،
كذلك مما نُهيت النساء عنه وحرم الشرع عليها فعله،
الوشم،والفلج،
والوشم، هو غرز الإبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ثم تحشوه بالكحل أو النِّيل،فيخضر،وهو مما تفعله النساء،
أما الفلج، فهو جعل فرجة بين الثنايا والرباعيات بمبرد ونحوه، بقصد التزين،
كذلك زين الشيطان لبعض النساء وصل الشعر حتى تظهر بأنها ذات شعر طويل،وجميع هذه الأفعال محرمة،
فقد قال النبي،صلى الله عليه وسلم(لعن الله الواشمات، والمستوشمات،والمتنمصات،والمتفلجات للحسن،المغيرات خلق الله)متفق عليه،
وقال -صلى الله عليه وسلم(لعن الله الواصلة والمستوصلة)متفق عليه،
كما زين الشيطان لبعض النساء،إطالة أظافرهم مخالفة لسنة الرسول،صلى الله عليه وسلم،حيث أمر بتقليم الأظافر،فصاروا يطيلونها تشبها بالكفار ومخالفة للسنة،
وكل هذه الأمور التي يفعلونها من حلق اللحى أو صبغها بالسواد وإطالة الشوارب والأظافر وإزالة النساء لشعر الحواجب وغيرها يظنون أنها من التجمل،وهي في الواقع تشويه وتقبيح للصورة الآدمية ومخالفة للفطرة الانسانية،ولكن الشيطان زينها لهم فاستحسنوها كما قال الله تعالى(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً)فاطر،
ومن التجمل الذي شرعه الله ورسوله التجمل في اللباس،
قال الله تعالى(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)الأعراف،
فقد امتن الله،سبحانه،على عباده بأن خلق لهم لباساً يسترون به عوراتهم، ويُجمّلون به هيئاتهم الظاهرة، وذكر لهم لباساً أحسن منه وهو لباس التقوى الذي يجمّل ظاهرهم وباطنهم،
فقال(وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)الأعراف،
فقد أمر الله،سبحانه،العباد أن يلبسوا أحسن ثيابهم وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي الرب،سبحانه وتعالى،
وليس من التجمل الإسبال لأن النبي،صلى الله عليه وسلم،نهى الرجال عن إسبال الثياب وهو إرسالها تحت الكعبين،وأخبر أن من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه(وأن المسبل من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)رواه مسلم،
أما النساء فقد شرع لهن تطويل الثياب لستر أرجلهن،
رواه الإمام أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي،عن أم سلمة،قالت،فكيف يصنعن النساء بذيولهن،قال(يرخين شبراً) فقالت،إذا تنكشف أقدامهن،قال(فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية،رحمه الله،في معنى(كاسيات عاريات) بأن تكتسي مالا يسترها،فهي كاسية ولكن في الحقيقة عارية،مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها،
يا أولياء الأمر،إتقوا الله في نسائكم، فإن الله سيسألكم عنهن بما جعل لكم من القوامة عليهن والرعاية لشؤونهن(وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)رواه البخاري،
فإن التنظيف والتجمل في البدن والثياب أمران مطلوبان شرعاً، وقد حثنا النبي،صلى الله عليه وسلم،قال الله تعالى(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)الأحزاب،
فلا يجوز لنا أن نرسم لأنفسنا أو نستورد من أعدائنا عادات وتقاليد تخالف هدي رسول الله،صلى الله عليه وسلم،
كما يفعل كثير من المتشبهين بالكفار في عاداتهم وعباداتهم وتقاليدهم،
وفي صحيح مسلم،عن أبي هريرة،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(قصوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)
وكان النبي،صلى الله عليه وسلم،يحب السواك،وكان يستاك مفطرًا وصائماً. ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند والوضوء، وعند الصلاة، وعند الخروج من المنزل،وكان،صلى الله عليه وسلم،يكثر التطيب ويحب الطيب،
ونهى،صلى الله عليه وسلم،عن أكل ماله رائحة كريهة كالبصل والكراث والثوم، ولا سيما عند دخول المساجد،
وفي السنن عن ابن عمر يرفعه إلى النبي،صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة،ثم تلهب فيه النار)صححه الألباني في صحيح الجامع،
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود،رضي الله عنه،قال،قال رسول الله،صلى الله عليه وسلم(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر)فقال رجل،يا رسول الله، إني أحب أن يكون ثوبي حسناً، ونعلي حسنة، أفمن الكبر ذلك،قال(لا، إن الله جميل يحب الجمال،
الكبر،بطر الحق وغمط الناس)
وبطر الحق، دفعه،
وغمط الناس،تنقصهم،
إن الشيطان تلاعب ببني آدم في شأن اللباس، فأوقعهم في المتناقضات المخالفة لشرع الله، فطائفة زين لهم التعري باسم المدنية والحضارة،
نسأل الله أن يوفقنا للخير أينما كنا، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا،واحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا،
ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا.
