(واللّه لا يغفر اللّه لك)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(من ذا الذي يتأَلى علي أن لا أَغفر لفلان،فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك)
عن عبد الله البجلي رضي الله عنه أَن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حدث(عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(حدث أن رجلا قال،والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال،من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك)
أن(رجلًا قَال،واللّه لا يغفر اللّه لفلان،وإن اللّه تعالى قال،من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلانٍ وأحبطت عملك)رواه مسلم
ومعنى (يتألى عليَّ)أي،يُقْسِم عليَّ.
فهذا الحديث يبين عدة مسائل مهمة،
أولًا، لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه ولو مازحاً، واللهِ، لن يغفر الله لك، أو لن يدخلك الجنة أبدًا، أو والله إنك ستدخل النار؛ لما في ذلك من القولِ على الله بغير علم، فلا يجوز لنا أن نحجر رحمة الله عن أحد، فالكل تحت المشيئة، ولا نجزم لأحد بدخول جنة أو نار، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك،
فبعض الناس تراه يقول عن شخص ما،هذا رجل صالح لم يضُرَّ أحدًا، ولا يعرف قلبه الحقد على أحد، هذا أشهد بأنه من أهل الجنة،والبعض الآخر إذا رأى رجلًا بارًّا بأحد والديه مدَحَه قائلًا،هذا رجل ما قصَّر في حقِّ والديه، وأشهد أنه لن يُسأل عنهما يوم القيامة، وما أدراك أنه لن يسأل،ولِمَ التقوُّل على الله بما لا تعلم،
فلا يشرع أن تحكم بأن الله راضٍ عن فلان، أو أن تحكم بأن الله ساخطٌ على فلان، فهذا ما لا نعلمه؛ لأن هذا ليس لنا؛ وإنما هو علم يختص به الله عز وجل، فلا يعلم السرائر إلا الله عز وجل، فإن شاء الله عفا عن عبده، وإن شاء أخذه بذنبه؛ لذلك لا يجوز للمسلم أن يقتحم هذه الأمور ويتصدَّى لها، خصوصًا إذا أقسم في كلامه مُتأليًا على الله، فيصبح هذا الذنب مُحبِطًا لعمله،
عندما تُوفي عثمان بن مظعون رضي الله عنه،دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بجواره أُمُّ العلاء رضي الله عنها،فقالت(رحمة اللّه عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك اللّه،فَقال لها النبي صلى الله عليه وسلم(وما يدريك أن اللَّه أكرمه)فقالت،لا أدري بأبي أنت وأُمي يا رسول اللّه،فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم(أما عثمان فقد جاءه واللَّه اليقين،وإني لأرجو له الخير،واللَّه ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به)فقالت،فواللَّهِ لا أزكي أحداً بعده أبداً،وأحزنني ذلك،قالت،فنمت فأُريت لعثمان عيناً تجري،فجئْت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم،فأخبرته،فقال(ذاك عمله)رواه البخاري.
ثانياً،ومما يستفاد من الحديث، أن الرجلَ الصالح يجب عليه ألا يحتقر أحدًا من المقصرين المذنبين، وألا ينظر إليهم بعينِ الازدراء، وألا ينظر إلى نفسه بعين التعظيم والكبر والإعجاب، فإن ذلك من موجبات الهلاك، فذلك العابد الناصح اغترَّ بصلاحه، وأعجب بنفسه، واحتقر ذلك العاصي،لأجل إصراره على ذنبه؛ لذلك قيل(رُبَّ معصيةٍ أورثَتْ ذُلًّا واستصغارًا، خيرٌ من طاعة أوجبت عُجباً واستكباراً)
على المسلم الذي نَصَّبَ نفسه للدعوة إلى الله أن يُحسِّن أسلوبَه مع الناس، وأن يكون همُّه كسبَ قلوبهم،
يحرم على المسلم تقنيط أي إنسان من رحمة الله التي وسِعَتْ كُلَّ شيء، فإن العاصي حينما يرى أن باب الرحمة والتوبة قد أُغلِق في وجهه،فسيستمر في معاصيه، ويزدادُ انحرافاً وعصياناً،
ولنا عبرة في قصة من قتل تسعة وتسعين شخصًا وأراد التوبة، فذهب إلى عابد جاهل في أحكام الدين، فسأله هل له من توبة،فاستعظم العابد ذنبه،فقال،ليس لك توبة،وكأن لسان حاله يقول،لن يغفر الله لك بسبب عظم ذنبك،فقام فقتله وأكمل به المائة،
فبدل التقنيط من رحمة الله استخدم أسلوب الترغيب والترهيب فيما ورد من أحاديث نبوية، فإنها خيرُ معينٍ لعودة العاصي إلى رشده،
حديث المتألي على الله حديث عظيم، فيه العديد من الفوائد والعبر،ولكن بعض الناس أساء فهم هذا الحديث، وجعله حُجَّةً في ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبعض المذنبين يستدلون به على أن يُتركوا وشأنهم وألا ينصحوا،
عن الإمام أحمد،عن أبي هريرة،قال(سمعت رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول(كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين،فكان أحدهما يذنب،والآخر مجتهد في العبادة،فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذّنب فيقول،أقصر،فوجده يوماً على ذنب فقال له،أقصر،فقال،خلني وربي،أبعثت علي فقال،واللّه لا يغفر اللَّه لك،أو لا يدخلك اللّه الجنةَ،فقبض أرواحهما،فاجتمعا عند رب العالمين،فقال لهذا المجتهِد،أكنت بي عالماً،أو كنت عَلى ما في يدي قادراً،وقال للمذنب،اذهب فادخل الجنة برحمتي،وقال للآخر،اذهبوا به إلى النار)
قال أبو هريرة(والذي نفسي بيده، لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته)
فهذا الحديث يرشد الدعاة إلى الصبر على أذى المدعوين، فإن بعضهم قد يتلفَّظ عليك ويُؤذيك بلسانه حينما تُقدِّمُ له النصيحة، وقد قال الله عز وجل على لسان لقمان(يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)
فهذا العابد قال لصاحبه حينما رآه يسرف على نفسه بالمعاصي(أقصر عن الذنب)فرد عليه قائل(خلني وربي،أبعثت علي رقيباً)
وكأنه يقول له،أنا حُر ولا تتدخل في شؤوني، فغضب العابد ولم يصبر، فقال مقولته التي أوبقت عمله، فتألّى على الله وأقسم قائلاً(واللّه لا يغفر اللّه لك)فقاده الغضب إلى التألي على الله والقول على الله بغير علم،
فإذا نصحك إنسانٌ فلا تردَّ نصيحته،ولا تقل له،عليك نفسك ولا تتدخَّل في شؤوني، فإن ذلك من أبغض الكلام عند الله عز وجل؛ فقد روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل،اتَّقِ الله، فيقول،عليك نفسك)رواه النسائي في السُّنَن الكبرى والطبراني،
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تنظر إلينا في ساعتنا هذه فتنزل علينا رحمة من عندك وحنانا من لدنك تغننا بها عن رحمة وحنان من سواك.
ربنا اجعلنا لك ذكارين ، لك شكارين ، إليك أواهين منيبين ، تقبل يا رب توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وأجب دعواتنا ، وثبت حجتنا ، واسلل سخائم صدورنا ، وعافنا واعف عنا.
إلهنا لا تحرمنا من نبيك الشفاعة ، واجعل التقوى لنا أربح بضاعة، وامنا من خوفنا يوم تقوم الساعه برحمتك يا أرحم الراحمين،
اللهم إجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه