فضل الصبر والاستعانة بآية إنا لله وإنا إليه راجعون
قال سبحانه وتعالى: {وبشر الصابرين الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
جاء عن أمِّ سلمة -زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم-قالت: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: ما من عبدٍ تُصيبه مصيبةٌ، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها؛ إلا آجره الله في مُصيبته، وأخلف له خيرًا منها. قالت: فلمَّا تُوفي أبو سلمة قلتُ كما أمرني رسولُ الله ﷺ،فأخلف اللهُ لي خيرًا منه؛ رسول الله ﷺ.
هذا الحديث أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه"[1].
وجاء عن سعيد بن جبيرٍ -رحمه الله- قال: لقد أُعطيت هذه الأُمَّة عند المصيبة ما لم يُعطَ الأنبياء: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ[البقرة:156]
قد جعل الله كلمات الإسترجاع ـ وهي قول المصاب: {إنا لله وإنا إليه راجعون} ملجأً وملاذاً لذوي المصائب، وعظمةً للممتحنين من الشيطان، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة، فيهيِّج ما سكن، ويُظهِر ما كمن".
ولذا كانت الاسترجاع عطية ومنحة اختص الله بها هذه الأمة كما قال سعيد بن جُبَيْر: "لم يُعْطَ لأَحَدٍ من الأُمَمِ الاستِرجاعُ غير هذه الأُمَّة .. أما سمعت قول يعقوب: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ}.
وأما الثواب السريع للاسترجاع ففيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللهم أجُرْني في مصيبتي، واخلُف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلَفَ الله له خيرا منها».
فلنفهم بقلوبنا مغزى هذا الشعار، وقيمة هذه الكلمات التي تمثِّل خير دواء لأي مصيبة.
«إنا لله وإنا إليه راجعون» تعد جائزة لكل من قالها مؤمنًا بها وهي منهج تربوي ربَّاني في التعامل مع المصائب والموقف منها، يَقينا شرَّ الأمراض النفسية والحالات العصبيَّة الناتجة عن التأثُّر بالمصائب، ويَجعل بيننا وبينها ما بين المشرق والمغرب، ويَكفينا عناءَ البحث عن الأدوية والعقاقير المُهدِّئة، والتنقُّل بين العيادات للبحث عن علاجٍ.
أفهم معناها! فلنفهم بقلوبنا مغزى هذا الشعار، وقيمة هذه الكلمات التي تمثِّل خير دواء لأي مصيبة: (إنا لله): إننا بهذا القول ننسب ملكيتنا إلى الله، ونقبل منه كل ما يُجري علينا من أقدار.
"أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك.
وأما قوله: {وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي راجعون إليه، وهو إقرار بحتمية الرحيل إلى الله، والبعث للوقوف بين يديه، فإن ظُلِمنا في الدنيا، فسوف نأخذ ثواب ما ظُلمنا فيه ونقتص من ظالمنا عند الرجوع إلى الله، فنحن لله ابتداء بالملكية، ونحن لله انتهاء بالرجوع إليه؛ فهو سبحانه ملك الابتداء والانتهاء، ليثيب المحسن ويعاقب المسيء، ولا ظلم عند الله سبحانه، فلا يظلم مثقال ذرة.
فما هي مكافأة الاسترجاع كما ورد في القرآن؟! {أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} فلننظر إلى غاية الغايات التي يدرِّبنا الله عليها لنحمل الدعوة، ونحمي منهج الحق ونهدم دولة المبطلين، وهي –على عظمتها- غاية مرحلية؛ لكنها ليست الغاية النهائية، فالغاية النهائية أننا نفعل ذلك لننال رحمات الله وبركاته في الآخرة، فالغاية النهائية في كل إيمان وفي كل عمل هي ابتغاء مرضاة الله ورحمته.